تعهد {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [النحل: 37] وما على المرء إلا اسخراج سنن الله في الهداية والضلال؛ والمؤمن طموح بهداية كل الخلق، وهو بهذا يخالف تعاليم الكتاب، ولن يجد لسنة الله تبديلا، ولا لعهوده تغييرا، ولا لسننه تحويلا، وما كان علينا إلا تكريس الجهود لاستنباط سنن الله من قرآنه، وتحكيمها في كونه وتسخيرها في تفسير قرآنه.
يتشبت الخف بالقول بأن الله ما كان له أن يخاطبنا بما لا نفقهه، ومن هنا انبروا للكلام عن الذات الربانية بالتأويل للوجه واليدين و ... وهو سبيل مشين نهينا أن ندخله {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 74]، فالتاويل هنا جاء تمثيلا وتشبيها وقياسا وهو ما لا يليق بجلال الله، إذ ليس كمثله شيء.
فهل لنا أن نوافق أستادنا طه جابر علواني فيما ذهب إليه من كون القرآن في غير حاجة إلى غيره لتبيانه، أقول نعم فالله سبحانه وتعالى تعهد ببيان ما أبهم، مصداقا لقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]، فهل من طارق لباب الله مستفسرا عن بيان مسألة في تفسير كتابه ولى خائبا؟
وإذا تبين بأن الخلل الفهم فينا لكون من خصائص القرآن الربانية، وعلم المنطق الذي منهج العلوم لا يدرك للربانية سبيلا، ولم يوليها عناية، ومن هنا تسرب الانحراف الفكري، والذي كان الفقهاء الأقدمون يلحون إلحاحا بأن العلوم تؤخذ من أفواه الرجال، وليس من الصحف. {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115].
أما علاقة الكتاب بالسنة فقد بينت السنة ما أجمله الكتاب، وما الأمور التي أجملها الكتاب بمقدار ما فصله تفصيلا، وما يدرك كنه الآيات إلا التفسير الموضوعي الذي يجمع بين الخاص والعام والمقيد والمطلق، وبالجملة ما له علاقة بموضوع واحد تناوله في دراسة شاملة.
هذا ما تيسر اللحظة في الموضوع. ولا شك فللكلام بقية.
وأعوذ بالله من الخطأ والزلل.
وقد يسر لنا باب الفهم لكتابه: {َالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر: 12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ [غافر: 13]} فها قد يسر الأسماء الحسنى والصفات العلى ودلل الصعاب، وجعل كتابه عليا حكيما يُستنطق ويجيب، وما أدركنا هذه الخاصية للقرآن فصرنا نبحث عن الإعجاز في اللغة والبيان، والصرفة، والأدهى والأمر أن نمضي لمناقشة أقوال من ادعوا معارضة القرآن والله يجزم جزما قاطعا {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24]. وما وقفنا عند قول ربنا {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 52].
كما قلدنا قول من قال بالنسخ في القرآن والله سبحانهوتعالى يجزم جزما قاطعا {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [قـ: 29]
ـ[أم عبدالله الجزائرية]ــــــــ[17 Dec 2010, 06:19 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
الأستاذ الكريم محمد جابري.
هدانا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى.
أحيي أسلوبك المهذب في عرض فكرتك.
وأتمنى أن يعلم كل أخ أو أخت أني لا أقصد أن أسيطر على فكر الآخرين أو فهمهم أو أحجر عليهم، ولم أفهم ذلك من أساتذتي ولا من قراءتي في كتب الائمة الأعلام، لكل وجهة هو موليها اخواني.
لكن المشكلة أني وجدت كتابا قرأت فيه ما جانب الإنصاف في وجهة نظري، ولا أعتقد أن أحدا يخالفني في ذلك، حتى من غير المسلمين من أهل العلم كل في تخصصه، فأي إنسان يريد أن يصحح فكرة في علم ما، لابد أن لا يلغي من كان لهم الفضل من بعد الله تعالى في هذا العلم فيطلق تقيما عاما كما اطلقه كاتب الكتاب، ولم تتعرض لهذا الأمر في حديثك السابق يا فاضل.
هذه هي كليات الطب في أوروبا تفتخر بابن سينا مع أنه طبيب مسلم وتدرس كتبه وتمجده، لما لم يدحروه ويشككوا فيه وقد باتت العلاجات متطورة جدا في هذا الزمان.
أما ما يخص حاجة القرآن لغيره، ووجود المتشابه، وفكرة الكاتب، فالمتشابه نوعين نوع لا يعلمه إلا الله تعالى وهذا واضح كما ذكر أهل العلم في الغيبيات المذكورة في القرآن الكريم، ونوع متشابه يعلمه البعض ويخفى على البعض، وكيف إذن بربك سريفع الله تعالى أهل العلم بعضهم فوق بعض، ففوق كل ذي علم عليم، وهنا سندخل في حاجة القرآن لغيره، فبالطبع سيسأل المسرشدين بالقرآن أهل العلم عند عجزهم عن فهم آية من القرآن الكريم مثلا، فقد أرشدهم القرآن لذلك، وبالنسبة لحاجة القرآن للسنة، فالسنة كما كتبت يا فاضل مبينة للقرآن، وهذه بفضل الله تعالى من إشارات القرآن الكريم، فإن كنت تريد أن تقول أن القرآن بين لنا ما سبق، أي أن المسلم بحاجة للسنة ولمن فوقه في العلم ليتعلم القرآن ويستهدي به، فسأقول لك لقد وصلت للنقطة التي سأتفق معك فيها فالشريعة لا يناقض بعضها بعضا وكذلك القرآن الكريم، وقول أهل العلم أن القرآن بحاجة لما سبق قصدوا أننا بحاجة لما سبق لنفهم القرآن الكريم ونستهدي به.
ولي عودة بإذن الله تعالى، والله أعلم وأحكم.
¥