"ومنها أن يكون موعظة وتذكيرا، ومنها أن يكون شاهدا على ما أخبر به من توحيده وصدق رسله وإحياء الموتى، ومنها أن يذكر في معرض الامتنان، ومنها أن يذكر في معرض اللوم والتوبيخ، ومنها أن يذكر في معرض المدح والذم، ومنها أن يذكر في معرض الإخبار عن اطلاع الرب عليه، وغير ذلك من الفوائد". (بدائع الفوائد. ج 4/ ص 816)
والحقيقة إنها لإشارات جليلة وغوص غائص في المجال، إلا أنه لا ينبغي. أخذها بالحقائق المسلمة لما تحتاجه من تحقيق علمي دقيق. فرحمه الله؛ عصرنا غير عصره، وما بأيدينا من وسائل البحث العلمي ومناهجه تمكننا الغوص أكثر بكثير مما قام به.
فالحقائق المسلمة نصوص قرآنية، أو السنة المطهرة، أو ما صقلته العقول وشهد له أولو الألباب ذوو الأبصار النيرة.
الضوابط الثلاثة للفتوى
رأينا فيما سبق بأن أقسام القرآن ثلاثة: آيات بينات (آيات العهود الربانية + آيات الأحكام) ثم القصص القرآنية ثم الأمثال والعظات.
? وجاءت السنن الإلهية أمورا كلية، جامعة مانعة، لا نقص فيها، وكانت آياتها محكمات بينات لا لبس فيها، ولا التباس يخامر الآخذ بها.
(((يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))) النساء: 26.
?ونجد القصص القرآنية هي أحسن القصص، وهي بدورها تشكل وحدة متكاملة.
(((وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ))) [هود: 120.
(((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ))) يوسف: 3.
? وبخصوص الأمثال جاءت هي أيضا وحدة كلية جامعة مانعة؛ لقوله تعالى:
(((وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ))) الفرقان: 39.
(((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً))) الإسراء: 89.
(((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً))) الكهف: 54.
(((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ))) الروم: 58.
فهي في الحصيلة ثلاث كليات تعتمد ضوابط للفتوى: فبينما السنن الإلهية ترسم السبيل تأتي القصص القرآنية لتؤكد المنحى، كما تأتي الأمثال لتشد على أزر السنن الإلهية.