اشتمل القصص القرآنية على عبر وعظات وتاريخ السابقين، ولم ينهج القرآن الكريم فيها المنهجية السردية على طريقة الأدباء، ولا اشتمل على قصة بمفهوم القصص لدى الروائيين باستثناء قصة يوسف عليه السلام، وإنما سعى لكشف تفاعل السنن الإلهية في واقع الناس لاستخلاص العبر والعظات بأن لا شيء يخرج عن عهوده الربانية والتي هي كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
حكمة السنن الإلهية:
" والقصص القرآنية وإن جاءت تسميتها- أحيانا- بالقصص، أي الحديث عن الماضي، تخرج عن الإطار الفني للقصة؛ وبهذا تكتسب بعدها التاريخي المجرد.
ومهما يكن من أمر، فقد قدم لنا القرآن الكريم نماذج عديدة للمعطيات التاريخية، وحدثنا عن الماضي في جل مساحاته لكي ما يلبث أن يخرج بنا إلى تبيان (الحكمة) من وراء هذه العروض, وإلى بلورة عدد من المبادئ الأساسية في حركة التاريخ البشري مستمدة من صميم التكوين الحدثي لهذه العروض. تلك المبادئ التي سماها (سنناً) , ودعانا أكثر من مرة إلى تأملها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبليّ. ومن ثم يتأكد لنا مرة أخرى أن هذه العروض ما جاءت لكي تلقي المتعة في نفوس المؤمنين، كما هو الحال في أي نشاط فني قبل أن تبرز للعيان الاتجاهات التعليمية الحديثة في ميادين الفنون، إنما جاءت لكي (تعلمهم) من خلال تجاربهم الماضية, و (تحركهم) عبر الأضواء الحمراء والخضراء التي أشعلتها لهم هذه التجارب في طريق الحياة المزدحم الطويل "1.
والمساحة التي خصصها الله للحديث عن السنن تكاد تبلغ ثلث القرآن بحسب تصريح د. عماد الدين خليل. وكان لازما أن نعتني بهذا القسط المهم من القرآن لاستخلاص ضوابط السنن الإلهية؛ إذ تأتي القصة القرآنية أو الحدث مطابقا لعهود الله حيث تتجلى العهود الربانية بوضوح وشمولية.
إذا، فالحدث التاريخي تجسيد عملي للعهود الربانية، حيث تعرض علينا صفحة الواقع لواحات فنية رائعة، وضاءة، مشرقة، ناطقة بلسان حالها: " قل صدق الله"، ويستيقن المؤمن، ويزداد إيمانا ويقينا بالعهود الربانية.
فيرى يد الله تصنع في ملكه ما يشاء، ترفع هذا على خشبة مسرح الواقع وتضع ذاك، وقد يظن كل منهما أنه الفاعل المرفوع لما يريد، وما هو في حقيقة الأمر إلا مفعول به منصوب، مستدرج لما تقتضيه سنة أمره.
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} طه: 113.
3 - الأمثال:
لئن جاء القصص القرآنية بأحسن القصص فقد جاءتنا الأمثال بكلية متكاملة لا مزيد عليها لمستزيد، وهذا ما نستشفه من الآيات التالية:
(((وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ))) الفرقان: 39.
(((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً))) الإسراء: 89.
وبكونها كلية شاملة للمجالات كلها كانت ضابطا ومعيارا يعبر الأحداث، ويبينها بيانا شافيا يكشف المزالق ويبين العثرات.
يقول ابن القيم الجوزية: "ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير والوعظ، والحث والزجر، والاعتبار والتقرير، وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس. وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر. والله أعلم. فائدة إرشادات السياق: السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم؛ فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى: (((ذق إنك أنت العزيز الكريم))) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير. فائدة إخبار الله عباده عن المحسوس: إخبار الرب تبارك وتعالى عن المحسوس الواقع له عدة فوائد: منها أن يكون توطئة وتقدمة لإبطال ما بعده". بدائع الفوائد. ج 4/ ص815.
¥