فمن الناس من أخلَصهم الله لنفسه، فكانوا عبادا مخُُُْْلَْصين،-بصيغة المفعولية- ومنهم المكرمون-بصيغة المفعولية- ومنهم المُطَهَّرون، ومنهم السابقون بالخيرات بإذن الله. وهي درجات لا حظ فيها للعبد، وإنما تجلى فيها فضل الله وتكريمه لعباده، وليس للعبد فيها من كسب، إلا الضراعة والتذلل بين يدي الكريم.
إنهم أولو الألباب: أصحاب الحس المرهف للفهم عن الله، لتجتمع بين أيديهم كل خيوط الأمر، سواء منها ما تعلق بعالم الغيب أو عالم الشهادة:
أدرك المرء من كتاب ربه إرادته في كونه وقرآنه من خلال عهوده الربانية، والله لا يخلف الميعاد؛ وفي عالم الشهادة خبر أمر واقعه، وما مضى من الأحداث، أو ما يتوقع من تغييرات مستقبلية كي يرسم مستقبله على ضوء معطيات عالمي الغيب والشهادة.
وحذرنا الشارع من مخالفة فراسة المؤمنين؛ وذلك لكونهم أعلم الناس بأن لا حول ولا قوة إلا بالله، وأيقنوا بأن لا سبيل للتصرف بحول الله وقوته إلا بإذنه، فإن أرادوا فهم شيء طرقوا باب ربهم الذي تعهد ببيان ما أبهم: (((فَالْحُكْمُ ِللََّهِ العَلِيِ الكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ))) غافر: 12 - 13.
وتمسكوا بهذه الأسماء عاكفين بها على باب الله لاستمداد الفهم الرباني.
إنه سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما حزبه أمر إلا وفزع إلى الصلاة.
2 - الشمولية:
جاءت السنن الإلهية بضوابط كلية جامعة مانعة: لا عبثية ولا لعب، فالكل لحكمة معلومة، وغاية منشودة، وهدف مرصود:
(((وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ))) الرعد: 8.
(((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))) الأنعام: 101.
(((وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ))) يس: 12.
(((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ))) النمل: 88.
إنها الشمولية التي لا تستثني أي جانب من جوانب الحياة.
3 - الاطراد:
فالثبات صفة للاستقرار والدوام على الحال، أما الاطراد فمعناه التتابع والجري على نسق واحد، وكل من أتى مقدمة سنة من السنن أصابته نتائجها:
(((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ))) الأنعام 123
(((مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ))) الأنبياء: 6.
(((وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ))) الأنبياء: 11.
(((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ))) النمل: 69.
(((فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ))) الزخرف: 8.
وقانون واحد لكل من سار على نفس الدرب، ونتيجة واحدة، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا يعتريها تغيير، وما ربك بظلام للعبيد. (((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))) الفتح: 23.
4 - مبدأ مراعاة استمرارية الحياة
فالذي خلق الكون خلقه ليتوفر فيه مناخ الحياة على وجه يكفل ضمان استمراريتها واستبدال الأمم:
(((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى))) النحل: 61.
لو جعل الله الدنيا دار جزاء لانتهى أمر الناس؛ لكون جميعهم يستحقون الإعدام جراء ذنوبهم، ولكنه جعل الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، ليستوفي المرء أجله وعمله فيها، ولتستمر الحياة إلى يوم القيامة.
(((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ))) آل عمران: 14.
لولا هذا التزيين لما كانت المحافظة على النسل، وعلى المال، ومتاع الدنيا جميعا. واصطدمت الشيوعية بهذه السنة فتخلصت أناسها منها لما وجدوا منفذا ومسلكا لذلك.
5 - الأجل:
¥