فمن خشي الله لا يستكين ولا يركن للظالمين، ولا تأخذه في الله لومة لائم؛ ومن هنا يحتدم الصراع، وتأخذ الظالمين العزة بالإثم، ويسعون:
- إما لإدماج الخصوم ضمن مخطط مدروس يقنن نظام الظالمين فيه الجرعات التي يغذي بها خصومه، والقنوات التي لا محيد لهم عنها؛
- وإما يغريهم مبدأ اجتثاثهم كلية لما يملكونه من قوة وطاقة لا قبل لخصومهم بها (وهذا هو الفكر الإقصائي وقد سبق الحديث عنه وعن نتائجه ..
2. الغاية الاستخلافية:
وتتحقق بالتمكين في الأرض لإقامة شريعة الله والتنعم بالأمن والازدهار الاقتصادي, وخذ ذلك من قوله سبحانه من عليم حكيم:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد} [ِسورة إبراهيم 13/ 14]
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة:66]
فالخيط الرفيع الذي ينسج بين السنتين السابقتين هو الفكر ألإقصائي، فرغم تهميش الخصوم والتضييق عليهم لا يستريح للظالمين جنب، ولا يستكين حتى يجتثوا خصومهم أصلا؛ ومن أجل ذلك يتوعدونهم إما بالانضمام لمبدئهم والانصهار في بوتقته، وإما النفي واقتلاع المعارضين من جذورهم.
ويترك الواحد القهار الفرصة للظالمين ليتخذوا قرار الحسم باجتثاث خصمهم؛ ليترتب عنه حتف الظالمين، وليمكن للمستضعفين في الأرض؛ ليضحي المستضعفون وارثين.
السنة الثالثة:
عهدنا بربنا أنه لا يخلف الميعاد، فكيف بنا وقد وعدنا أنه بمجرد تجنب الشرك بالله، والقيام بحقوق العبودية يستخلفنا في الأرض، و يمكن لنا ديننا الذي ارتضى لنا، ويبدلنا من بعد خوفنا أمنا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]؟
ففي السنتين السابقتين كان اشتراط خشية الله هو الأساس الذي انبنت عليه الوعود، بينما هنا جاءنا تفصيل لما كان هناك مجملا؛ إذ خشية الله تقتضي الإيمان بالغيب والعمل الصالح, كما تقتضي عدم الإشراك بالله, وأبهى مظاهر الشرك في زماننا هو ما يعبر عنه بالشرك السياسي, أو بالخشية مع الله. (أخشى الحاكم وأخشى الله). [إن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك] (تهذيب التهذيب - الصفحة أو الرقم: 12/ 106الراوي: أبو سعيد بن أبي فضالة الأنصاري المحدث: علي بن المديني خلاصة الدرجة: إسناده صالح).
وسبيل من يخشى الله أن لا يخشى معه أحدا {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب: 39].
وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: [إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها] قال ابن مسعود: يا رسول الله كيف بي إذا أدركتهم قال: [ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله قالها ثلاث مرات] (المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 5/ 302 الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: أحمد شاكر خلاصة الدرجة: إسناده صحيح)
وهنا تنكشف دعوة بعض الفرق الإسلامية والتي تبنت فكرة عدم الخروج على الحاكم بأمره: فالحاكم بأمره طاغية، يتحزب لغير الله ورسوله، ومن كان هذا شأنه أذله الله على يد من تحزب إليه لقوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً [81] كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً [82]} مريم.
¥