تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هناك تلحق المذلة بالأتباع، ويكونون عليهم مسلطين إذلالا وخسفا وصغارا. وكيف يأمن من توعده الله بالعذاب؟ أم كيف يتذوق الأمن من ليس له من الله من واق؟ أم كيف يسعد من لم يستفد من تجارب التاريخ ومن مصير الأمم السابقة؟:

{أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [غافر: 21].

والمؤمن من حفط الله في توحيده لا يشرك به شيئا بهذه الخاصية يكون أهلا لموعود الله: بالأمن الرباني {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] والظلم هنا بمعنييه البغي أوالعدوان والإشراك بالله.

وقد يكون تحدي الطغاة بالكلمة اللينة في ظرف من الظروف تهورا، لذا على المؤمن أن يدرس حيثيات ظروفه فقد يضطر المؤمن للسكون حينا تفويتا للفرص على الظالمين وهنا يوصينا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: [مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، من حيث أتتها الريح كفأتها، فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء. والفاجر كالأرزة، صماء معتدلة، حتى يقصمها الله إذا شاء] (الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 5644 خلاصة الدرجة: [صحيح])

لكن ليتق الله المؤمنون أن يمنعهم من الجهر بالحق فهْم يبرر القعود، أو زعم بأن هذا النبات الشاب من يربيه إن ذهبت انا ...

والله جل وعلا توعد المشركين بتسليط شركائهم عليهم، فكيف ينعم بالأمن من اتخذ وليا ونصيرا من دون الله: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَة لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [من سورة مريم عليها السلام:81 - 82].

وبهذا العهد الرباني تنكس أعلام الظالمين بعد تسليط بعضهم على بعض، ويرفع لواء التوحيد عاليا، يقول لكل ذي بصيرة تلك سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا ولا تحويلا، فإن كان للباطل جولة فإن للحق صولة ترفع المؤمنين وتضع المنافقين والكافرين، ويجعل الله مخرجا للمؤمنين من كل ضيق، كما يرزقهم من حيث لم يحتسبوا ثم يفيض عليهم نعمه، بل يتمها عليهم وفق وعده سبحانه وتعالى {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 150]

وبناء على ما تقرر في سنن استبدال الأقوام ألا ترى كيف ابتعدت الحركات الإسلامية عن نهج ربها، بركوب العنف سبيلا، أو بالركون للظالمين ومشاركتهم في مسرحيات شبه هزلية مكشوفة الأدوار، تارة في تزوير الانتخابات، وتارة بالتسلط وإسكات المخالفين بردمهم فيالسجون وهو جزاء جاء وفق وعده جل علاه لمن ركن للظالمين، أن يسلطهم عليهم.

وما سبيل الحركات الإسلامية للتغيير الواقع إلى أحسن حال إلا تبني أسلوبا ينهج نهجا تربويا يزرع في القلوب خشية الله، واليقين على وعوده، لبلوغ المرام، ونيل الأوطار، والوقوف عند صغير أمر وكبيره على أمره ونهيه، والقومة لله بالحجة البينة والبلاغ المبين، والقومة لله: شهادة لله على النفس والوالدين والأقربين فلا تستفزهم الأحداث والوقائع ليقينهم على وعود ربهم، كما لا يستخفنهم الذين لا يوقنون، فقد تبدو أحلامهم مستحيلة التحقيق فيسخرون منهم، والله لا يخلف وعده. إنه سبيل الأنبياء في تبليغ دعوة الله.

إنها حجة الله على عباده، وليكون المؤمن شاهد الله على خلقه يتفطر رقة على الظالمين شعاره في ذلك قوله تعالى: {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]؛ والله رءوف بعباده رحيم يمهل ولا يهمل، وقد سبقت رحمته غضبه {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [النساء 147].

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير