تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلوم الإسلامية بعد تشعبها وبعد العهد بها فطرأ على العقل واللسان من القصور ما أوجب تدوين العلوم على هذا النحو، ولم يكن ذلك ظاهرا في عصر الرسالة فالصدر الأول، رضي الله عنهم، أفصح الناس لسانا، وأصحهم فهما، فلا يتصور في حقهم ما وقع لمن تلاهم من لحن في الكلام وقصور في الفهم ألجأهم إلى تقسيم الفنون على النحو المعهود في زماننا.

والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، كما قرر المحققون من أهل الأصول، فالأمر بالعرف يستلزم النهي عن ضده من المنكر، وقد جاء النص على كليهما في قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، فأظهر اللازم الذي أضمره في آية الأعراف، وإنما ذكر الأمر في آية الأعراف دون النهي لمكان الاستضعاف في الفترة المكية فيلائمه الأمر على جهة الترفق لا النهي فإنه لا يخلو من شدة لا تلائم وصف الاستضعاف لئلا يقع الصدام، فإذا ما هاجر المسلمون وصارت لهم شوكة، جاء الأمر والنهي، فزال حكم الاستضعاف بزوال وصفه، فذلك، جار على ما تقدم، من نسأ الأحكام لا نسخها، فيدور الحكم مع وصفه وجودا وعدما، فذلك من دقة البيان القرآني وحكمة التشريع الرباني في التدرج في سن الأحكام تبعا لحال الجماعة المسلمة، بل لحال الأفراد، فليس القوي كالضعيف في التكليف، وليست الأمة المنصورة كالأمة المغلوبة في التشريع، فلكل حظ من الشريعة الجامعة التي استوفت عموم الأحوال للأفراد والجماعات.

ثم جاء التذييل: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ: فاستوفت هذه الآية، كما أثر عن جعفر الصادق، رحمه الله، مكارم الأخلاق، فبعد العفو والأمر: يعرض الآمر عن الجاهل السفيه النزق فـ: (عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فلن يسلم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في كل زمان من سفيه أو جاهل يتعرض له، والإعراض أيضا من الحكم المنسوء، فلا يكون إلا حيث يحسن، فإذا ما كانت قدرة على رد الطاعن في الديانة بالحجة والبرهان أو السيف والسنان، فالخذلان كل الخذلان: القعود عن ذلك برسم السماحة الزائفة واستئلاف الآخر! الذي لا يقوم عوجه إلا سيف الشريعة العادل.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير