تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الحج]

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 10 - 2010, 03:57 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ):

فذلك من أدلة العناية بالمكلفين، فناسب التنويه بها إضافة الفعل إلى ضمير الجمع مئنة من عظم الجاعل وتعدد أوصاف جماله وجلاله التي بها حصل هذا الجعل العظيم، فبقدرته أوجد، وبحكمته أتقن، وبرحمته سخر، وتلك هي الأدلة الثلاثة التي يستحضرها العبد في مقام الاستدلال على كمال ربوبية الرب، جل وعلا، فله من أوصاف الربوبية: تقديرا في الغيب وإيجادا في الشهادة وحكمة في إيجاد المخلوقات على وجه يحصل به كمال النفع لها والاتنفاع بها، والبُدن على ذلك خير شاهد، ففي أبدانها العظيمة، فهي بدن من هذا الوجه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، ففي أبدانها العظيمة آيات جليلة تشهد ضرورة بإتقان صنعة الرب جل وعلا، ورحمة بالمخلوق فقد ركب فيه من الطبائع الجبلية ما يلائم البيئة الصحراوية التي يعيش فيها وعناية بالإنسان فقد سخر له هذا المخلوق العظيم حمولة ولحما ولبنا .... إلخ من وجوه الانتفاع العديدة، له من أوصاف الربوبية ما يشهد ضرورة بانفراده بمقام التكوين بالقدرة والتدبير بالحكمة فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فذلك لازم الخلق والتدبير فلا يكون خلق إلا بعلم تقديري أول، ولا يكون تدبير كوني أو شرعي إلا بكلمات ربانية نافذة كونا أو حاكمة شرعا، فهي أثر الصفات الإلهية الفاعلة في الكون بالتقدير والجعل الكوني والشرعي، فإذا ثبت انفراده، جل وعلا، بهذا المنصب الجليل فقد ثبت له ضرورة: وجوب إفراده، جل وعلا، بمنصب الإلهية، فذلك من التلازم الوثيق بين العلم بأخبار الربوبية والعمل بأحكام الألوهية، فالأول توحيد في العلم بالأسماء والصفات التي تقوم بالذات القدسية والأفعال التي تقوم بها فتلك حقيقة الربوبية فما يقع في الكون من إيجاد وإعدام ..... إلخ من سائر الأحداث إنما هو أثر صفات الرب، جل وعلا، الفاعلة، التي تتعلق بمشيئته النافذة فيحدث ما شاء كيف شاء متى شاء من أحداث وقوعها المجرد على هذا النحو المتتابع مئنة من وجود الرب الخالق الفاعل، جل وعلا، بل هو الفعال على جهة المبالغة في المبنى فتلك حقيقة المعنى فهو الفعال في كونه بآثار صفات جلاله وجماله بما يحدثه من آحاد كلماته الكونية فبها يكون الخلق والإيجاد، وكلماته الشرعية فبها بعث الأنبياء عليهم السلام، لتصلح الدنيا وتستقيم أمور الخلائق بمواطئة السنة الشرعية الحاكمة، فيجتمع في حقهم موافقة الكون على جهة الاضطرار، فلا: (مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) الكونية فذلك خبر واجب النفاذ، وموافقة الشرع على جهة الاختيار فلا: (مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) فذلك إنشاء بحفظ كلمات الرب الشرعية من التبديل للألفاظ والتحريف للمعاني، والثاني توحيد في العمل بصرف وجوه التأله إلى الرب الواحد في ذاته، الأحد في صفاته، وإن تعددت، فتعددها لا يلزم منه بداهة تعدد الذات، فهي معاني كمال تقوم بذاته القدسية على وجه يليق بجلاله فلا يعلم تأويل حقائقها في الخارج إلا هو، وإن أدرك العقل تأويل معانيها فالمعنى معقول والكيف مجهول كما أثر عن إمام دار الهجرة، رحمه الله، فله كمال الوصف وإن وقع الاشتراك بينه وبين المخلوق في أصول المعاني الكلية دون حقائقها الخارجية فذلك، كما تقدم مرارا، قدر يجب إثباته في أي خطاب مفهم، وإلا صار الكلام عبثا فلا يدل على معان يرجع المخاطب إليها ليدرك مراد المتكلم، وخطاب الشارع، عز وجل، أولى بوصف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير