تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[نموذج تطبيقي على الصورة الفنية .. إعداد. أسامة منصور]

ـ[ابو يزن]ــــــــ[10 - 06 - 2010, 03:00 ص]ـ

لوحة وصف في بائيةٍ لأبي تمام

كنموذج تطبيقي على الصورة الفنية في الشعر

إعداد: أسامة منصور

يقول الشاعر ابو تمام في بائية له في الوصف:

لم أر عيرا جمة الدؤوب تواصل التتهجير بالتاويب

أبعد من أين ومن لغوب منها غداة الشارق المهضوب

نجائبا وليس من نجيب شبابة الاعناق بالعجوب

كالليل أو كاللوب أو كالنوب منقادة لعارض غربيب

كالشيعة التفت على النقيب آخذة بطاعة الجنوب

نا قضة لمرر الخطوب تكف غرب الزمن العصيب

محاءة للأزمة اللزوب محو استلام الركن للجنوب

لما بدت للارض من قريب تشوفت لويلها السكوب

تشوف المريض للطبيب وطرب المحب للحبيب

وفرحة الاديب بالأديب وخيمت صادقة الشؤبوب

فقام فيها الرعد كالخطيب وحنت الريح حنين النيب

والشمس ذات حاجب محجوب قد غربت من غير ما غروب

والارض في ردائها القشيب في زاهر من نبتها رطيب

بعد اشتهاب الثلج والضريب كالكهل بعد السن والتحنيب

تبدل الشباب بالمشيب كم آنست من جانب غريب

وفتقت من مذنب يعبوب وغلبت من الثرى المغلوب

ونفست عن بارص مكروب وسكنت من نافر الجنوب

واقنعت من بلد رغيب يحفظ عهد الغيث بالمغيث

لذيذة الريق مع الصبيب كأنما تهمي على القلوب

(1 - 2) يبدأ أبو تمام قصيدته بالنفي والاستغراب من تلك العير كثيرة السير التي تواصل المشي في أقصى درجات الحرارة العالية، تسير هذه الإبل حتى طلوع الشمس وتتجه نحو هضبة ينزل الغيث عليها.

(3 - 5) هذه الإبل مطايا وليس من راكب لها طويلة الأعناق، هي سوداء كالليل أو كالأرض السوداء تسير منقادة إلى جبل كبير ذي لون اسود، والسواد في هذه الأبيات جاء متناسبا مع الحال التي يذكرها الشاعر من القحط والحر الشديد

5 يتحول الشاعر إلى تشبيه آخر لهذه العير وأنها تلتف التفاف الشيعة حول نقيبهم.

(6 - 10) ثم يأتي الشاعر بصفات متعددة يستغرب القارئ وصفها للإبل للوهلة الأولى حيث يذكرها في خضم وصفه لها فيقول بأنها ماحية للقحط الشديد، تزيل القحط كما يزيل الحجر الأسود الذنوب، يتشوّف المطر عندما تبدو للأرض من بعيد وثم يذكر العديد من الصفات لهذا الانتظار: كالمريض المتألم المنتظر طبيبه، وكطرب المحب للحبيب وكفرحة الأديب للأديب، ثم تخيم، صادقة الشؤبوب أن مطرها واقع لامحالة.

(11 - 12) ثم يسترسل الشاعر بوصف الغيث وأول ما يبدأ بوصفه الرعد، حيث يقوم بين الغيوم كقيام الخطيب بين المصلين ومن المعروف أن السيادة تكون للخطيب في الصلاة وفي حالة المطر يسود الرعد على الغيوم بصوته وضوئه، ويجعل الشاعر صورة فنية رائعة من ذلك يشاكلها مع صوت الرياح الخفيف الممتد مع صوت الناقة الطاعنة في السن، وهنا يكمل الأثر الفني الذي يرسخه الشاعر فينا نفس القارئ ليضعه في صورة مجسده أمامه وكأنه واقع تحت انهمار أمطار تلك الغيوم ويظهر هذا التجسيد واضحا في الصور القادمة.

13 - ثم يأتي الشاعر إلى وصف الأرض ذات الرداء القشيب بعد التغير وبعد العواصف وكان الماء على الأرض عند المطر ثلج خلط معه عسل داكن اللون، وعند توقف الحركة في المطر ومع تمازج الألوان السابقة يسوقنا الشاعر إلى صورة فنية أخرى متمثلة بأن الأرض بعد قحطها الشديد عند نزول المطر مباشرة تبدو كالكهل الطاعن في السن، معوج القدمين، لان تلك الفترة الزمنية عند نزول المطر تسكن الأرض وتهدا الحركة.

ثم يحلق الشاعر بخياله بنا إلى روح الحركة والروح حيث بعد نزول المطر تتبدل الحياة وتتغير ويتحول الشباب إلى مشيب، تسيل السيول، وتغمر الأرض المياه، ويتنفس كل مكروب من قلة المياه، ويظهر العشب، و تأوي كل من نفر من القحط إلى تلك المنطقة الممطرة، وأقنعت هذه الأمطار الأرض التي عرفت موعد المطر ولم تخلفه، ثم يصل بنا أخيرا إلى حقيقة أن نزول المياه تفرح القلوب بها كما كأنما تنزل على القلوب مباشرة لا على الأرض.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير