تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة المؤمنون]

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 08 - 2010, 04:40 م]ـ

ومن قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)

فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، فلا يسأل الأنبياء عليهم السلام أقوامهم أجرا، فلسان مقالهم: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)، و: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ): فلا يسألهم إلا نفعهم بتقوى الله، عز وجل، ولازمها من طاعة الرسول فطاعته من تقوى من أرسله، و: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، فنفى الأجر نفيا مؤكدا بـ: "من" التي تفيد التنصيص على العموم، فما أسألكم عليه أجرا قليلا أو كثيرا، فليس إلا ذكرا للعالمين بأخباره الصادقة وأحكامه العادلة، ففيه شفاء لما في صدور العالمين من وساوس الشياطين من الشبهات المحيرة، وفيه شفاء للجوارح من الشهوات المفسدة، فالكتاب العزيز مادة صلاح الباطن علوما وإرادات، والظاهر أقوالا وأعمالا، فكذلك الشأن في هذه الآية، فإن تنكير "خرجا" مئنة من العموم، لوروده في سياق استفهام، فلم يسألهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مالا ليظن فيه طلب جاه أو ثراء، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينفق إنفاق من لا يخشى الفاقة تأليفا لقلوب العباد، فكيف يظن به طمع في دنيا، فذلك فرقان بين الأتبياء عليهم السلام وأتباعهم، وبين رءوس الضلالة لا سيما من يتصدر باسم الديانة، فيحصد الأموال برسم التبرع ليودعها في المصارف في حسابات سرية، فيذهب بعضها إلى جيبه، ويذهب آخر إلى إفساد البلاد والعباد، فلا بقاء لسلطانه إلا ببذر مادة الفتنة بين الناس، فهي مظنة التعصب والتحزب الذي يحمل الأتباع على الطاعة المطلقة، ولو تخريبا، فهي لعبة سياسية خبيثة يصير فيها الدين قنطرة إلى تحقيق مصالح طبقة بعينها تمارس طغيانا دينيا مقيتا، فبرسم الإرهاب الفكري بالحرمان من الغفران، وبرسم الإرهاب البدني بالضرب والخطف والأسر والقتل، يحاول أولئك عبثا حفظ رياساتهم بصد الناس عن الدين الحق بعد أن صدوا عنه ابتداء لفساد محالهم، فضرب الرب القدير الحكيم، جل وعلا، عليهم الضلالة، وطبع على قلوبهم بمشيئته النافذة فلا تعرف الحق جهلا أو إعراضا، ولو عرفته لكرهته وتولت عنه استكبارا، فلا يرضون إلا بالصدارة، ولو في الضلالة!، وتلك مئنة ظاهرة من خسة النفس التي تتعلق بزينة الدنيا وتزهد في قيمة الآخرة، فلا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير إلا فاسد التصور والإرادة، فذلك فساد باطن يطفح غالبا على الظاهر فسادا في القول فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، والفعل، فـ: (إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، فيبذل بلسانه شعارات زائفة عن الأخوة والمودة يردها الشرع والعقل، فلا يتسع غمد العقل تصورا والقلب تيقنا، لا يتسع لسيفي الحق والباطل، فهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإما حق تغتذي به النفس فتظهر آثار صلاحه على الظاهر، وإما ضده من باطل تغتذي به النفس، أيضا، فتظهر آثار فساده على الظاهر، فالحكم العملي يدور مع التصور العلمي صحة أو فسادا، فالحق والباطل قد يتهادنا حينا، ولكنهما يتقاتلان أحيانا كثيرة، فتلك سنة التدافع الكونية التي تقتتل فيها البواطن العلمية فيظهر ذلك لزوما في قتال الألسن بالحجة والبرهان، ثم قتال الأبدان بالسيف والسنان، فيقع لا محالة، ولو بعد حين من تدافع الحجج العقلية، فذلك، مقتضى السنة الكونية، فطرد سنة التدافع مؤد لا محالة إلى وقوع قتال الأبدان، فلو هادن الحق ما انكف الباطل، فلا يكفه إلا سيف الشريعة العادل، وفي زماننا سكت أهل الحق، فنطق أهل الباطل، فتقدم الأراذل وتأخر الأفاضل، أو حجبوا عن الصدارة بإثارة الشبهات، فـ: (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فالغوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير