تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من شهادات الحق]

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 02:32 ص]ـ

ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل":

فذلك من العموم الذي يصدر به عادة سياق تقرير الأعمال والجزاء عليها، فيجري مجرى بيان مقادير الأعمال، وتلك قواعد كلية يحسن معها إيراد صيغ العموم، كـ: "من" الموصولة التي صدر بها السياق، فلا اعتبار في التكليف لشخص المكلف إلا إن كان الحكم مخصوصا به، كخصائص الأنبياء عليهم السلام، وذلك خلاف الأصل، كما تقدم مرارا، فالأصل في التكليف العموم، وقواعد الشرع ونصوصه على ذلك جارية فذلك أصل لا يعدل عنه إلا بدليل ناقل فمن:

شهد أن لا إله إلا الله: فتلك شهادة البصيرة التي بلغت حد اليقين فهي وشهادة البصر على حد سواء، فالشاهد قد عاين من أدلة الواحدانية: الشرعية الصحيحة والعقلية الصريحة، النفسانية والكونية، قد عاين منها ما بلغ به حد الجزم واليقين، فهو شاهد بلسانه وشاهد بعقد إيمانه العلمي الأول، وشاهد بعمله المصدق لما قام بقلبه من إرادة باطنة، وما قام بلسانه من قول ظاهر، فالشهادة الموثقة ليست قولا مجردا، بل لا بد من عقد أول تصدر عنه، وفعل تال هو أثرها في الخارج، فهي الذريعة وهو النتيجة الضرورية، فيمتنع عقلا أن يقوم بالقلب عقد جازم، ويكون الفاعل صحيح الآلة، ولا ينطلق اللسان بالشهادة القولية، فهي من الإيمان، فليست شرط كمال خلافا لمن قصر الإيمان على الجزم بالقلب وإن لم يكن قول باللسان، فذلك، أيضا، عند التحقيق، من الفروض الذهنية، فيمتنع ألا يقع القول المصدق للعقد الباطن مع صحة الآلة وانتفاء المانع من إكراه أو نحوه، فاللسان يترجم بقوله ما قام بالقلب من التصورات والإرادات، والجوارح تترجم بأفعالها ما قام به منها، فلا بد من الشهادة اللفظية فهي العلامة الظاهرة التي يمتاز بها المؤمن من الكافر، فيثبت له بها حكم الإسلام الظاهر، وأمر الباطن إلى الله، عز وجل، إلا إن أظهر الشاهد ما ينقض شهادته فوقع في موجب للتكفير من قول أو فعل، فالكفر كضده من الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح، فمن الأقوال ما ينتقض به أصل الإيمان من القلب وإن ادعى القائل أنه لا يعلم الحكم، فهو من المعلوم الضروري، فمن ذا الذي يجهل تحريم سب الرب، جل وعلا، وسب نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسب كتابه وآياته والاستهزاء بها، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، بل من ذا الذي يجهل، لا سيما في ديار المسلمين، أن ذلك ناقض صريح لأصل الدين، فهو دال لزوما، حال صدوره اختيارا، على انتفاء أصل الإيمان من القلب، فلم يصدر إلا عن اعتقاد جازم، وإن كان قبيحا ظاهر البطلان، فلم ينتقص بلسانه إلا بعد أن انتقص بقلبه، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فلا يصح فيه الدفع بالجهل، فهو من المعلوم الضروري، كما تقدم، بل ما دونه من الأحكام الظاهرة، لا يصح الدفع بالجهل فيه في ديار المسلمين، فمن ذا الذي يجهل تحريم الخمر والزنى .... إلخ من المحرمات الظاهرة، فمن اعتقد إباحتها فإيمانه قد زال أصله من القلب، ولا يقبل من دفع بعذر الجهل إلا إن كان قريب عهد بإسلام، فنشأ في بادية بعيدة أو دار كفر لا تظهر فيها أعلام الدين ظهورها في دار الإسلام، فيصح الدفع بالجهل في مثل تلك الأحوال، فالعذر بالجهل أمر يتفاوت بتفاوت الأعصار والأمصار، ومثله من اعتقد إباحتها ولكنه جحد استكبارا وحسدا، فهو يعلم أنه من عند الله، عز وجل، شرعا ملزما، ولكنه لا يلتزمه، بغضا له ولمن جاء به، فليس عاص يندم على فعل الذنب فيقر بتحريمه واستحقاقه الوعيد عليه، فذلك مؤمن ناقص الإيمان، قد اجتمع فيه وصف الإيمان باعتبار الأصل، ووصف الفسوق باعتبار ما وقع فيه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير