تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[خذلان المؤمن]

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 10 - 2010, 04:04 ص]ـ

ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته":

فذلك من العموم في معرض المقابلة، وهو عموم مؤكد بـ: "من"، التي تفيد التنصيص على العموم فذلك رافع لاحتمال التخصيص، فهو عموم محفوظ، إلا من صورة قياسية في الشريعة الخاتمة هي صورة العجز بإكراه أو ضعف ..... إلخ، فلا تكليف إلا بمقدور، وذلك مما يهون على المكلفين الأمر فكثير يقعد عن فعل ما يجب عليه في النوازل الخاصة والعامة بذريعة أنه غير قادر على فعل شيء!، وذلك عند التدبر والنظر، أمر لا حقيقة له!، فلا ينفك مكلف عن قدرة على بذل شيء ولو صغر في نظره، فهو عند الله، عز وجل، عظيم، إن رأى من المكلف إخلاصا واستفراغا للوسع، فضلا عن كونه واجب الوقت على المكلف، فإن أدى ما كلف به فقد برئت ذمته، ولو برسم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فلا يضركم إذا بذلتم المقدور إصلاحا للنفس وأمرا لمن لكم عليه ولاية، ونصحا وإرشادا لمن ليس لكم عليه ولاية فحقه النصح، والرب، جل وعلا، قادر على رفع المحنة بكلمة، فـ: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فلا يفتقر إلى جهد أحد، ولو كان عظيما من ذي سلطان عام ورياسة تامة، فـ: (مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، فلا يفتقر إلى أحد ليصح التذرع بضعف أو فقر، فما الذي يقدمه الضعيف أو الفقير بقياس الدنيا المادي؟!، وهو قياس باطل في حق الرب، جل وعلا، فليس كالبشر الذين يفتقرون إلى غيرهم فيصح في حقهم التمايز بين عطاء كبير ينفع وآخر صغير لا ينفع، فالبشر لفقرهم تتمايز الأعطيات في حقهم، فعطاء كبير وآخر صغير، كما تقدم، وذلك مئنة من الفقر الذاتي المتأصل في جبلتهم، فغيرهم يتوصل إليهم بالنفع أو الضر، وتلك جهة نقص جبلي في كل آدمي، وإن كان نبيا برسم العصمة موسوما وبوحي السماء منصورا، فقد توصل أعداء الرسل عليهم السلام إليهم بصنوف الأذى، بل قتلوا منهم جملة!، وذلك لا يكون بداهة في حق الرب، جل وعلا، فهو الغني الذي لا يفتقر إلى من سواه ولا تعوزه أسباب النصر، وهو العزيز الذي لا يناله غيره بضر، بل كل ما سواه إليه مفتقر، وكل ما دونه قد ذل له وخضع، برسم التكوين الاضطراري فهو الخالق المقدر الموجد المنشئ البارئ المصور المدبر بكلمات الإحياء والإماتة، والعطاء والمنع ...... إلخ، فالخلق دائرون بين صفات جلاله عدلا وصفات جماله فضلا، وبرسم التشريع الاختياري، فخضع له المؤمنون وخشع له المخبتون، فـ: "خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي"، فذلك من الخضوع الاختياري برسم التوحيد فرعا على الخضوع الكوني برسم الإيجاد والتكوين، ثم الإحاطة لمدارك الحس الظاهر والباطن، برسم: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، فتلك إحاطته بالأسماع، و: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) فتلك إحاطته بالأبصار، فمن ذلك وصفه لا ينظر بداهة إلى صورة العمل الظاهرة، ولو عظمت، وإنما ابتلى العباد بحقيقته وإن صغرت، فـ: "سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ قَالَ رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا"، فالأعمال تتفاضل بحقائقها لا بصورها، فالرب، جل وعلا، لا يفتقر إلى نصرة زيد أو عمرو، ولا يفتقر إلى نصرة العظيم لتصح في الأذهان حجة من دونه بأنه لا حول له ولا قوة، فلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير