تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من حديث: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ ...... "

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 05 - 2010, 07:37 ص]ـ

من حديث أبي بكرة، رضي الله عنه، مرفوعا:

"إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ قَالَ يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ"

ففيه توكيد لوقوع الفتنة، فكينونتها فرع عن مشيئة الله، عز وجل، النافذة، وإن لم توافق إرادته الشرعية إذ لم يأمر الله، عز وجل، عباده بإيقاع الفتن، وإن قدر وقوعها كونا، لحكم بالغة تربو على مفسدة وقوعها. فالشر ليس إليه، وإن كان مخلوقا له، إذ فعله كله خير، وإنما يكون الشر في المقدور المخلوق لا القدر الذي يقع الخلق به، على أنه شر جزئي فليس شرا محضا من كل وجه، بل له من المآلات الحميدة ما يجعل وقوعه عين الحكمة، ولكن ذلك يخفى على العباد حال وقوع المصيبة إذ يريهم الشيطان الشر الكائن حالا، ويصرفهم عن الخير الكائن مآلا.

والتنكير في: فتنة: للتعظيم، وقد زيد في بيانها بالإطناب في ذكر أوصاف الداخلين فيها، فلكل نصيب من الذم بقدر ولوجه فيها، إلا أن يقوم في حقه عذر معتبر من تأويل سائغ، كما جرى في فتنة الجمل وصفين، إذ أثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كلا الطائفتين بوصف: الإسلام، كما في حديث أبي بكرة، رضي الله عنه، مرفوعا: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ".

قال الحافظ، رحمه الله، في "الفتح": "وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَصْوِيب رَأْي مَنْ قَعَدَ عَنْ الْقِتَال مَعَ مُعَاوِيَة وَعَلِيي وَإِنْ كَانَ عَلِيّ أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَأَقْرَب إِلَى الْحَقّ، وَهُوَ قَوْل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَابْن عُمَر وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ وَسَائِر مَنْ اِعْتَزَلَ تِلْكَ الْحُرُوب". اهـ

فضلا عن وصفهما بالإيمان في قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فكلاهما بوصف الإيمان جدير، وإنما تأولت طائفة منهما فبغت على الأخرى مع كون الثانية: الأدنى إلى الحق، فوقعت الفتنة التي حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الولوج فيها، فاجتنبها جل الصحابة، رضي الله عنه، واجتهدت طائفة منهم، وهم للاجتهاد أهل، فترجح عندهم أن الحق مع طائفتهم فانتصروا لها انتصار طالب الحق لا طالب الهوى، ولما كان الراجح في مسائل الخلاف السائغ أن المصيب واحد بعينه أصابت طائفة علي، رضي الله عنه، أجري الاجتهاد ابتداء والإصابة انتهاء، واصابت الطائفة الأخرى سواء أكان ذلك في الجمل أو صفين أجر الاجتهاد دون الإصابة، فكلاهما ممدوح شرعا، وإن وقع منه ما لا يسلم منه بشر سوى الأنبياء فلم تكن إحدى الطائفتين راجية عصمة.

الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا: تناسب في الأطراف مع مع التدرج من الأدنى إلى الأعلى وذلك أصل في الحكم على الأفعال والأعيان، فليس الفعل مدحا أو ذما نمطا واحدا بل هو متفاوت بقدر ولوج صاحبه فيه، فليس من آمن إيمانا مجملا كمن ولج باب الإيمان فحصل من العلم والعمل ما انشرح به صدره واطمئن به قلبه ولهج به لسانه وعمرت به أركانه، وقل مثل ذلك في كل عمل، فإن البشر تتفاوت ملكاتهم وقدراتهم في الخير أو الشر فيقع التفاضل بينهم، وإن جمعهم وصف مدح أو ذم كلي، وكذلك يقع التفاوت في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير