تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[النهي عن الغلو]

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 03:36 ص]ـ

من حديث:

لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام:

فنفى على سبيل الإنشاء فذلك أبلغ في النهي، فالإنشاء بأمر أو نهي إذا ورد في سياق إثبات أو نفي خبري كان آكد في تقرير المعنى، فتسلط النفي على جهة النهي على جملة من الطرائق الزهدية التي كانت في الأمة الإسرائيلية ومن بعدها الأمة النصرانية فتلك شعائر العباد في الأمم الخالية، ولو صح جوازها أو استحبابها في شرعهم فإن ذلك ليس دليلا على جوازها أو استحبابها في شرعنا، فشرع من قبلنا شرع لنا إذا حكاه شرعنا على جهة التقرير بالقول أو السكوت، على خلاف في ذلك فبعض أهل العلم لم يجعل المحكي المسكوت عنه من شرعنا فلا بد من التصريح بمشروعيته ليصير منه وحجة من جعله من شرعنا أن السكوت في موضع البيان: بيان، فهو مئنة من الإقرار على جهة الرضا ما لم توجد أمارة إكراه وذلك لا يكون في موارد الشرع لقرينة الحفظ والعصمة، فـ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، ومع ذلك فصل بعض أهل الأصول فجعل سكوت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أمور من صدر البعثة إلى زمن الهجرة وقيام الدولة، لا يدل على مشروعيتها فقد يكون السكوت برسم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)، فلم تكن ثم دولة، ولم تكن ثم قوة تجعل السكوت أمارة يقينية على المشروعية، وفرعوا على ذلك تقديم الخبر الذي يدل على قوة الدولة الناشئة على الخبر الذي يدل على الضعف، كما أشار إلى ذلك صاحب "أضواء البيان" رحمه الله، فيحسن فيه السكوت لا جبنا، فقد صدع صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة فذلك تأويل الأمر الصريح: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فهو قطعي الثبوت والدلالة على الوجوب، وإنما يحسن السكوت حكمة دفعا للمفسدة العظمى بإفناء الجماعة المؤمنة لو استعجلت المفاصلة التي وقعت بعد ذلك بسنوات قلائل معدودات في بدر وأحد والخندق إلى الفتح المبين، دفعا لتلك المفسدة بالمفسدة الصغرى بتحمل صنوف من الضيم والقهر لم تخل من مصلحة شرعية فبها كانت التربية النفسية لرجال جبلوا على الانتصار للنفس وللغير إن كان ضعيفا لا يقدر على دفع الصائل على دمه أو عرضه أو ماله، فكفت الأيدي برسم الصبر، فـ: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)، فتعلمت النفوس الانتصار للشرع بامتثال أمره ولو كان على غير مراد النفس بل على ضده!، فصبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قتل سمية، رضي الله عنها، ولم يستنفر أصحابه ولم يسل سيفا للذب عنها، مع عظم المفسدة، وليس ذلك جبنا فذلك مما تنزه عنه الأنبياء بداهة والنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى الأنبياء بهذا المعنى الشريف، ولكنه تأول فقه زمانه، فتأويل فقه المستضعف: السكوت برسم الصبر لا الإقرار، فلم يقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظلما بسكوته، وإنما سكت درءا لمفسدة عظمى فلو استنفرت الجماعة المؤمنة لنصرة سمية، رضي الله عنها، مع قلة عددها وعتادها لفنيت فاندرس رسم الإسلام، وتلك مفسدة أعظم بداهة من مفسدة قتل نفس مؤمنة، مع أن قتلها برسم الشهادة مما يخفف على النفس وطأة الأمر فهي منحة في حقها فبها نالت رسم الأولية فهي أول شهيدة في الإسلام، ومحنة في حق غيرها بالصبر على ما نالها حتى يأتي زمان يجيش فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جيشا كاملا انتصارا لمؤمنة كشفت يهود عورتها، فذلك تأويل فقه زمان التمكين، فالقدرة مناط التكليف، والحكم بالانتصار للمؤمنين المستضعفين يدور مع القدرة وجودا وعدما، وذلك أمر نرى منه صورا مؤلمة في زماننا فكم من مستضعفين ومستضعفات قد قتلوا وعذبوا وهتكت حرماتهم ولم يقدر أحد من قرن الذل! على نجدتهم، فنال كلا من شؤم القعود عن نصرتهم ما ناله إلا من بذل وسعه واستفرغ جهده نصرة لهم بما يقدر عليه من قول أو فعل ولو هان في عين فاعله فهو عند الله، عز

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير