تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الحياء]

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 10 - 2010, 04:21 ص]ـ

من حديث: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له:

فذلك من قبيل الاستعارة التصريحية لفعل الإلقاء الحسي بيانا لفعل النزع المعنوي لخلق الحياء، بمباشرة ما يخدشه بل يدميه ويقتله من المحرمات بل وخوارم المروءات ولو كانت من جملة المباحات، فليس كل مباح مما تحسن مباشرته فمنه ما هو دني يتنزه عنه أصحاب الوجاهات، ولذلك نزه الرب، جل وعلا، الرسل، عليهم السلام، عن جملة من الخلائق كأكل في الطرقات، والصنائع كحجامة ونحوه، فإن كانت تلك الأفعال في نفسها مباحة، ولو برسم الكراهة، ولو تنزيهية خفيفة، إلا أنها لا تنفك في مباشرتها عن هيئات تخل بكمال النفس، فالأكل من جملة الشهوات التي يحسن الاستتار حال مباشرتها، وإن كانت السنة في الاجتماع عليه، فـ: "خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي"، فالاجتماع، أيضا، لا يحسن إلا في محل قد أعد لتناول الطعام، فلا يحسن بداهة الاجتماع في الطريق، فذلك مظنة هتك الستر، فيصير الآكل مادة نقد واستياء من جملة السائرين، فالحياء الذي يسبله الله، عز وجل، على عباده الصالحين من الأنبياء والأولياء يمنع صاحبه من مقارفة ما يخدش المروءات، فإذا نزع جلباب الحياء، وذلك مظنة زوال الإيمان، إما زوالا كاملا، فالكفار الأصليون مظنة الوقوع في خوارم المروءة، فقد هتكوا ستر العبودية، فليس بعده ستر يصان، فليس بعد الكفر ذنب، فالفواحش فيهم قد ظهرت برسم الاستعلان بل قد أعدت لها المنتجعات والشواطئ، وبعض أمصار المسلمين قد ارتضى أهله استقبال وفود من الفساق والشواذ بل والقيام على خدمتهم طوال مدة زيارتهم المشئومة التي يصيب بلاد المسلمين من شؤمها ما يصيب! فلا خير في درهم محرم، ولو كثر، فكيف إن كان هذا الدرهم قد نيل ببذل الدين والمروءة، فليت فيه كرامة ولو بمقتضى العرف، فليس فيه من ذلك شيء فلا كرامة في نيله بمقتضى الشرع فهو من المحرم الصريح فالقيام على خدمة الفساق من التعاون المنهي عنه برسم: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فما تولد عنه بداهة فله حكمه، فللفرع المتولد حكم الأصل الذي صدر عنه، أو بمقتضى الطبع، فخدمة البشر مما تأنف منه النفوس الكاملة إلا إن كان لذوي الرياسات الدينية من أنبياء وعلماء وصالحين، بل لا يحسن الإمعان في ذلك فهو مظنة الغلو المنهي عنه في حق كل أحد، ولو نبيا برسم العصمة فكيف بمن دونه من عامة البشر، ولو كانوا أهل دين ومروءة، فتلك كانت ذريعة إلى الغلو في الصالحين بل والطالحين!، فغلا من غلا من عباد الصليب في رءوسهم فخلعوا عليهم من ضروب التعظيم بل والعصمة ما صيرهم نوابا عن الإله المصلوب! فخدمة أولئك قد صارت مطمع كل راغب في الخلاص، فالأتباع يتخيرون من صور الخضوع والذل ما يحصل به كمال الخدمة المادية والمعنوية للمتبوع برسم الديانة، فتعظيمه من تعظيم الدين الصحيح، بزعمهم، وبمثل ذلك استرقت أمم فسلبت حريتها بل آدميتها فقد ارتضت التقليد لمقالة هي إلى السفسطة أقرب ففيها من إنكار البدهيات النقلية والعقلية بل والعلمية الضرورية التي لا يختلف فيها العقلاء، فأصول الاستدلال العقلي مركوزة في كل عقل فهي مما تواطأ عليه أفراد النوع الإنساني وإنما يقع الاختلاف فيما يتولد منها من علوم نظرية فليست مما يدركه كل أحد، فإذا وقع الاختلاف في الأصل الذي لا خلاف فيه بين العقلاء فقد رضي المقلد لذلك بالانحطاط إلى دركة العجماوات فقياس عقله قد تعطل، فأي كرامة له وقد رضي بما يقدح فيها بتقليد بشر مثله برسم الذل والخضوع الذي لا يحسن بل لا يجوز إلا للرب، جل وعلا، وقل مثل ذلك في أتباع شيوخ الضلالة ممن يدعون ولاية فقهية أو رياسة روحية فيمارسون من صور الطغيان الروحي والفكري ما يقطع بداهة ببطلان ولاياتهم وطرائقهم الحادثة، فذلك مما يباين طرائق الأنبياء عليهم السلام، فـ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)، و: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله" ..... إلخ، فذلك رسم الأنبياء عليهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير