تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الصحة والفراغ]

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 03:54 ص]ـ

من حديث: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ":

فذلك من التوشيح بإجمال يعقبه البيان: وهو مما يزيد المخاطب تشويقا بتقديم المسند إليه فتقديمه في حد ذاته يفيد التشويق إلى معرفة الحكم المسند فبه يحصل البيان، والبيان بعد الإجمال أوقع في النفس من البيان الابتدائي، فإذا كان تقديم المسند إليه في حد ذاته يفيد التشويق، فكيف وقد انضمت إليه دلالة التوشيح، ففيه إجمال يفتقر إلى بيان آخر بل افتقاره إلى البيان أعظم فـ:

نعمتان:

والنعمة هي ما تطلبه النفس، كما عرفها بعض أهل العلم، فيكون ذلك بالنظر إلى تصور الطالب لا إلى حقيقة الأمر، فقد يطلب لفساد تصوره: نقمة يظنها نعمة، كمن يحتسي عسلا قد دس فيه السم، فلذة العسل العاجلة: نعمة، وضرر السم وألمه: نقمة آجلة، وهي أعظم وأسوأ عاقبة، فالطبع يقتضي مباشرة اللذة فلا يلتفت إلى العواقب والمآلات، فهو إلى خلق البهيمة أقرب، فالإنسان يولد ومدارك الحس عليه أغلب، فليس له من العقل إلا ما يطلب به حاجات بدنه، فيبكي إذا أحس بالجوع، أو يستدفع به ما يلحق الضرر ببدنه فيصرخ إذا ضرب، فليس له من القوة ما يدفع به الصائل عليه إلا الصراخ والبكاء، فالبهيمة على دفع الصائل منه أقدر، وذلك مئنة من ضعف جبلته، فالفقر وصف لازم له في كل أطوار حياته، فلا ينفك عن حاجة ضرورية إلى غذاء يقيم به أوده، فيفتقر إلى مال يشتري به الغذاء، فمن رحمة الرب، جل وعلا، وحكمته أن يسر النقد مصكوكا ومطبوعا، ولولا ذلك لوقع الحرج في المبادلات، فتلك من صور العناية الكونية بالنوع الإنساني، ومن صور الحكمة باصطفاء معادن دون أخر لتكون وسيلة التبادل في البيع والشراء، فتلك صورة خفية من صور الحكمة الربانية، كما أشار إلى ذلك صاحب "مختصر منهاج القاصدين" بقوله:

"ولنذكر مثالاً واحداً للحكم الخفية التي ليست في غاية الخفاء، حتى يعتبر بها، ويعلم طريق الشكر والكفران على النعم، فنقول: من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير اللذين بهما قوام الدنيا، وهما حجران لا منفعة في أعينهما، ولكن يضطر الخلق إليهما، من حيث كل إنسان يحتاج إلى أعيان كثيرة، في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومركبه، وسائر حاجاته، وقد يعجز عما يحتاج إليه، ويملك ما يستغني عنه، كمن يملك قدراً من الزعفران مثلاً وهو يحتاج إلى جمل يركبه، وآخر يملك الجمل، وربما استغنى عنه، ويحتاج إلى الزعفران، فلا بد بينهما من معاوضة، ولابد في مقدار العوض من تقدير، إذا لا يبذل صاحب الجمل جمله بكل مقدار من الزعفران، ولا مناسبة بين الزعفران والجمل، حتى يعطى مثله في الوزن والصورة". اهـ

"مختصر منهاج القاصدين"، ص234.

والشاهد أن البدن لا يقوم بنفسه بل لا ينفك عن فقر إلى آلات تهضم الغذاء بما ركز فيها من قوى الهضم الفاعلة، وذلك من ربوبية الإعداد للمحال لمباشرة أسباب الحياة والنماء فينمو البدن بمعالجة ما استخلصه من مواد نافعة إن كان ثم غذاء صالح في زماننا لم تنله يد البشر بالتسميم والإفساد!، فتلك مواد أولية تدخل في بناء خلاياه وأنسجته فيدخل في عملية بناء خلوي عقيب تعرضه لعملية هدم عضوي، فتتحلل مواده المعقدة إلى عناصر بسيطة ومن ثم تتجمع تلك العناصر في مركبات كيميائية معقدة تدخل في بناء الخلايا وفق سنن كوني محكم لا زيادة فيه ولا نقصان، فذلك من معاني العدل الرباني، فإن وقع خلل أو اضطراب في نمو الخلايا بتأثير عامل خارجي كتلوث بيئي يصيب الغذاء، فينتقل أثره إلى الخلايا التي تباشره، إن وقع ذلك الخلل بشؤم مخالفة الشرع، فأثره يظهر لزوما في الكون، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، إن وقع ذلك الخلل تعطلت السنة الكونية المحكمة فخرجت الخلايا عن حد الاعتدال بنقص برسم الضمور والهزال، أو زيادة برسم الورم فليس شحما يدل على الصحة، بل هو ورم يدل على المرض، فهو من جنس الورم في قول أبي الطيب:

أعيذها نظراتٍ منك صادقةَ ******* أن تحسبَ الشحم فيمن شحمهُ ورم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير