تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِر)

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 08 - 2010, 03:55 م]ـ

ومن قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا):

فذلك من أخص أوصاف الربوبية، فليس علم الغيب إلا إلى الرب، جل وعلا، وإضافة العامل إلى المعمول، من باب الإضافة الحقيقية لا اللفظية، لقرينة ثبوت الوصف للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فذلك من قبيل الإضافة في نحو قوله تعالى: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ)، فتلك من الأسماء المقيدة التى لا تثبت للرب، جل وعلا، على جهة الإطلاق بل يلتزم القيد فيها كما قد ورد في النص، فالباب توقيفي محض، فالرب، جل وعلا، عالم الغيب أزلا، فعلمه باعتبار النوع: أول بأولية ذاته القدسية، فلم يكن، جل وعلا، معطلا عن وصف كمال: ذاتا أو فعلا، بل له، تبارك وتعالى، الكمال أزلا وحالا وأبدا، فلا يعتري ذاته القدسية أو أوصافه العلية ما يعتري ذوات وأوصاف البشر من النقص ثم الفناء، فالرب، جل وعلا، الأول، الآخر، الأزلي الأبدي، القديم قبل خلقه فتقدم عليهم، فلم يكن ثم إلا هو في الأزل، فـ: "كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ"، فالعالم حادث، وخالقه: أول قديم لا مبتدى له، فليس قبله شيء، وليس علة مقترنة بالمعلول المخلوق من العالم الحادث كما ادعى الفلاسفة، بل خلق العالم بـ: "كن"، فكان هذا العالم، عقيبها، فهو أثر كلماته الكونيات النافذة، فهي العلة الأولى لخلق هذا العالم، وهي أثر صفات فعله في كونه بالخلق والإيجاد، وهي، أيضا، من وصفه الذاتي باعتبار نوعه، ومن وصف فعله باعتبار آحاده، فيحدث من أمره الكوني تدبيرا، وأمره الشرعي إيجابا أو تحريما، يحدث من ذلك ما يشاء، كما في حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"، فكان الخالق بصفات كماله غير معطل عن وصف أو فعل، ثم شاء إحداث ما شاء من المخلوقات فأولها علما لنا: العرش، فالقلم، فـ: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء"، و: "أوّلَ ما خلق اللَّه القلم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة"، فانتصبت: "أول" على الظرفية فليس القلم أول المخلوقات مطلقا فالعرش سابق له، وهو، جل وعلا، الباقي بعد فناء خلقه، فهو الآخر الأزلي، فليس بعده شيء، فـ: "لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ"، وإنما تبقى الكائنات في دور النعيم أو العذاب بمشيئته، جل وعلا، لها البقاء، فبقاؤها ليس ذاتيا، كما أن غنى أهل دار النعيم ليس ذاتيا، فلا ينفك كائن في أي دار من الدور عن افتقار ذاتي متأصل إلى الرب الغني، جل وعلا، فوصف غناه، أيضا، ذاتي، فليس لغناه، جل وعلا، علة، كما أنه ليس لفقر المخلوق علة، فالذاتي لا يعلل، كما يقول أهل العلم، فبلغ الرب، جل وعلا، غاية الوصف غنى وكمالا، وبلغ العبد غاية الوصف حاجة وافتقارا، فهذا وصف الرب جل وعلا، وذاك وصف العبد، وكذلك الشأن في علمه، جل وعلا، فهو، كما تقدم، أزلي محيط، تقديري مؤثر في إيجاد المخلوقات على الوجه الذي شاءه الرب، جل وعلا، فيظهر به آثار حكمته البالغة، فيخلق ما شاء بقدرته، ويعد المحال ويمدها بما يلائمها من أسباب الصلاح أو الفساد بحكمته، فهو القدير خلقا، الحكيم تدبيرا، وهو، أبدي، فلا يزول بنسيان أو موت .... إلخ من العوارض التي تعتري المخلوق، فعلمه حادث بعد أن لم يكن، فـ: (اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فخلق جاهلا لا يعلم، فلم يزل يتعلم بما يرد عليه من مصادر التلقي الدينية والدنيوية، فيتشكل وجدانه، وتتنوع معارفه دينا ودنيا، فإما إلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير