تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 11 - 2010, 04:10 ص]ـ

من قوله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ):

فصدر السياق بالزجر فذلك من خصائص القرآن المكي، فآياته زاجرة، وسوره قاصفة لقلاع الشرك المتهاوية، فـ: "كلا": فليس الأمر كما يظن أبو جهل الذي نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة، فذلك السبب الخاص، وليس الأمر كما يظن أعداء النبوات في كل عصر ومصر فذلك المعنى العام، فورود الآية على سبب لا ينفى عموم لفظها ومعناها، فالأمر بالسجود أمر عام وإن توجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا السياق لقرينة سبب النزول الخاصة، وقرينة خطاب المواجهة فهي قرينة عامة في كل خطاب توجه إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيدخل فيه عموم المكلفين بداهة لعموم خطاب الشريعة إلا ما ثبت اختصاصه به صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خبر أو إنشاء بأمر أو نهي، ثم جاء النهي عقيب الزجر فذلك مما يلائمه، فالزجر يكون عن المناهي بداهة وإن صح استرعاء الانتباه به في معرض الأمر فذلك من قبيل نداء البعيد في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، فلا ينفك النداء بـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) عن أمر لازم أو نهي زاجر، كما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، فذيل النهي بالأمر، فالنهي كف سلبي فـ: (لا تطعه): في ترك الصلاة كما ذكر ذلك البغوي، رحمه الله، فذلك جار، أيضا، على تأويل النهي استنادا إلى سبب النزول الخاص ولا يمنع ذلك من إجراء عمومه بتسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل، فلا تطع الكفار في ترك أي مأمور أو ارتكاب أي محظور، فـ: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا)، فاصبر للحكم الشرعي والحكم الكوني، فالصبر واجب لكليهما، فيصبر على الطاعة فعلا، ويصبر عن المعصية كفا، ويصبر على المصيبة الكونية بحبس النفس عن التسخط والجزع، فاصبر للحكم الشرعي فذلك مما ينصرف إليه الذهن ابتداء لقرينة التذييل بالنهي الجازم عن طاعة الآثم والكفور، فلا تطع من فسد علمه بالإصغاء إلى الشبهات، ولا تطع من فسد عمله بالانجذاب والميل إلى الشهوات، ولا ينفك الاثنان عن بعضهما غالبا، بل ربما دائما، وحال أرباب الضلالة من أصحاب المقالات الباطلة شركية كانت أو بدعية، حالهم الردية في باب العمل خير شاهد على ذلك فلا ينفكون غالبا عن مقارفة الشهوات المحرمة فالمحل قد خبث بورود مادة الكفر أو البدعة فانقطع مدد الشرع النافع بأجناس القول والفعل الظاهر، فتلبست الجوارح بضده لزوما فما خلقت لتهمل وإنما خلقت لتعمل فإن لم تعمل على منهاج الوحي الرحماني عملت على منهاج الوحي الشيطاني الذي يفسد القلوب بمواد الكفر والبدعة والشبهة، ويفسد الجوارح بمواد المعصية والشهوة، فليس بعد الكفر ذنب يخشاه صاحبه فإذا فسد المحل الأول فسدت بقية المحال علمية كانت أو عملية، أو صارت مظنة الفساد فيسارع إليها التلف ما لا يسارع إلى المحال المحفوظة ببركة اتباع الشريعة التي تعصم الباطن والظاهر معا، بل ذلك أمر يسري أثره صحة أو فسادا إلى قوى الآلات المحسوسة، فتجد من بركة الطاعة على أجساد أصحابها ولو تقدمت أعمارهم ما يثير العجب فـ: "هذه أعضاء حفظناها في الشبيبة تنفعنا في الكبر"، كما أثر عن أبي الطيب الطبري، رحمه الله، فقيه الشافعية في زمانه، وقد جاوز المائة فلم يتغير عقله أو يضعف بدنه، بل كان كما يقول ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية": "صحيح العقل، والفهم، والأعضاء، يفتي ويشتغل"، وتجد من شؤم المعصية على أجساد أصحابها، ولو شبابا، ما يثير، أيضا، العجب!، فإن لها سوادا في الوجه وضعفا في القلب والبدن وبغضا في قلوب الخلق كما أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، فـ: (لا تطع)، فذلك، أيضا، من العموم القياسي فتسلط النهي على النكرات: "آثما" و "كفورا" فأفاد عموم النهي عن طاعة الآثم ففساده في العمل أظهر، والكافر ففساده في العلم أظهر، فالفساد، كما تقدم، تسري مادته إلى العلم الباطن والعمل الظاهر، وفساد الظاهر باد للعين فهو أول ما يظهر من حال العبد، وفساد العلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير