تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الأعلى]

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 08:04 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)

فذلك من الأمر على جهة الإيجاب والإرشاد، فدلالة الأمر على الإيجاب: دلالة أصلية، ولا يمنع ذلك من توارد معان أخر على صيغته، فقد يرد للتحذير أو الإرشاد مع وروده للإيجاب، فيكون ذلك شاهدا لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وشاهدا لمن جوز دلالة المجمل بالاشتراك اللفظي على معنييه في آن واحد، ومادة: "سبح" مادة كلية تدل على التباعد، فإما أن يكون:

حسيا: من قولهم: سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها، فقيدت مادة "البعد" في هذا السياق بالبعد الحسي لقرينة تعلقها بالأرض المحسوسة، فالسبح فيها لا يكون إلا بالسير فيها تباعدا.

وفي "اللسان": "قال ابنُ الفَرَج سمعت أَبا الجَهْم الجَعْفَرِيِّ يقول: سَبَحْتُ في الأَرض وسَبَخْتُ فيها إِذا تباعدت فيها". اهـ

ومعنويا: كتنزيه الرب، جل وعلا، عن صفات النقص، فذلك من الواجب العقلي، فالرب، جل وعلا، موصوف بالكمال إثباتا مرادا لذاته، منزه عن النقصان نفيا مرادا لغيره، فهو من الاحتراس بسلب وصف النقص فلازمه إثبات كمال ضده كما اطرد في باب الصفات الإلهية، فيكون تسبيحه، عز وجل، إبعادا لوصف النقص عنه، وإبعادا له، تبارك وتعالى، عن وصف النقص، فقيدت مادة "البعد" في هذا السياق بالبعد المعنوي لأوصاف النقص عن الرب، جل وعلا، الموصوف بأضدادها من صفات الكمال المطلق.

وفي "اللسان" من قول الزجاج رحمه الله: "وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له مِثْلٌ أَو شريك أَو ندٌّ أَو ضدّ". اهـ

فالمادة كلية تقبل الانقسام، والسياق، كما تقدم مرارا، هو الذي يعين مراد المتكلم.

والأمر كما اطرد في مثل هذه المواضع: يشمل المخاطب باعتبار خطاب المواجهة، ويشمل غيره بقرينة عموم التشريع، فتسبيح الله، عز وجل، أمر واجب بداهة على كل مكلف، ويزداد الإيجاب توكيدا لو حمل التسبيح في هذه الآية على التسبيح الشرعي المعهود في ركن السجود، كما في حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، مرفوعا، عند أبي داود، رحمه الله، في سننه، وفيه: "فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، وفيه انقطاع، والتسبيح قد ثبت وجوبه في السجود من طرق أخرى أصح وأصرح.

وتسبيح اسم الرب، جل وعلا، تسبيح لذاته، فالاسم هنا دال على المسمى، على الخلاف المعروف في مسألة: الاسم والمسمى، فالراجح فيها أن الاسم للمسمى، فاسم: الرحيم على سبيل المثال: اسم لمسمى هو: الذات الإلهية، فهو دال عليها بدلالة التضمن فيدل على الصفة التي اشتق منها وهي الرحمة، ويدل على الذات القدسية المتصفة بها على وجه الكمال اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فالاسم على هذا الوجه: للمسمى، ولا يقال: الاسم غير المسمى لما في لفظ: "الغير" من الإجمال، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم كابن تيمية وابن أبي العز رحمهما الله، فإنه قد يوحي بأن أسماء الله، عز وجل، مباينة له، فيتذرع بذلك من قال بخلق أسماء الرب، جل وعلا، إلى إثبات مذهبه الباطل، فالأسماء داخلة في مسمى: "الله": الذات القدسية التي لها الأسماء الحسنى والصفات العلى، فإخراج الأسماء من هذا الحد بلفظ مجمل كالغير طريقة أهل الضلال في هذا الباب، فيقول صاحب هذه المقالة: أسماء الله، عز وجل، غير الله، فتباينه من هذا الوجه، فتكون مخلوقة ليست داخلة في مسمى اسم: "الله" عز وجل، فيتوصل بذلك إلى نفي أسماء الرب، تبارك وتعالى، ويقول: صفات الله، عز وجل، غير الله، أيضا، فتباينه من هذا الوجه فيتوصل بذلك، أيضا، إلى نفي صفات الرب، تبارك وتعالى، ولو قيل الأسماء هي عين المسمى فليست غيره، فهذا صحيح في نحو قولك: "سمع الله لمن حمده"، فاسم: "الله" في هذا السياق يراد به المسمى نفسه، ولكنه، أيضا، مجمل يحتمل معنى باطلا من جنس قول القائل: الصفة عين الموصوف تذرعا إلى نفي صفات الباري، عز وجل، فكذلك القول بأن: الاسم عين المسمى تذرعا إلى نفي أسماء الرب، جل وعلا، والصحيح أن الأسماء والصفات قدر زائد على المسمى والموصوف بها، فهي قدر زائد على الذات القدسية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير