تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة البينة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 08 - 2010, 08:37 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ):

فذلك من التوكيد بالقصر الإضافي في معرض قلب اعتقاد المتكلم، فهو بمنزلة القصر في نحو قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ)، كما حرر ذلك الشافعي، رحمه الله، فلا أجد فيما أوحي إلي محرما إلا ما استحللتموه!، إمعانا في قلب اعتقادهم استباحة جملة من المحرمات نص الوحي على تحريمها فمقابل إمعانهم في استباحتها جاء الإمعان في تحريمها، فكأنه لا محرم في الشريعة إلا هي، ولا أجد فيما أوحي إلي لا ينفي مجيء وحي تال بمحرمات زائدة، كتلك التي وردت في آية المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، فقد أمروا بالتوحيد وأمروا بغيره، فأمروا بالصلاة والزكاة، كما قد جاء في آخر الآية، فتلك أمور تخرج عن حد التوحيد بالنظر إلى معناه القلبي الباطن، فهو عقد يقوم بالقلب بإفراد الرب، جل وعلا، بسائر أجناس العبادة الباطنة والظاهرة، وأول ما يظهر من آثاره: علوم القلب تصورا للرب الواحد، جل وعلا، الموصوف بالكمال، فهو الأول بذاته القدسية وأسمائه الحسنى وصفاته العلية، فذلك عقد إيماني تصديقي بخبر النبوات التي صدق بعضها بعضا، فما من نبي إلا وقد أفاض القول في بيان وتقرير صفات المعبود، جل وعلا، فذلك أول ما تطمح إليه كل نفس شريفة بمقتضى الفطرة التوحيدية الأولى التي جبلت عليها، فالتوحيد المجمل مركوز في قلب كل مولود وإنما ترد عليه أكدار الشرك والكفر بتقليد الآباء المقلدين، والسادة الذين يترأسون ويتأكلون باسم الديانة فهم المتبوعون برسم الإمامة في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ)، فذلك من الجعل الكوني النافذ بأن طبع الرب، جل وعلا، على تلك القلوب فلا تقبل الحق، وإن علمت صدقه، فتكفر به إعراضا واستكبارا فحدها حد إبليس أول كافر بالرحمن وطاعن في التوحيد بعصيانه الأمر مع تصديقه الخبر فهو من أعلم الناس بربه، جل وعلا، وهو مع ذلك أكفر الناس به وأكثر الساعين في الصد عن سبيله، وتلك حال كل إبليس في كل عصر ومصر فلا يكتفي بكفره حسدا لأهل الحق ومقتا لهم، فـ: (مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وإنما يدعو غيره، ويفتن من آمن من المستضعفين والمستضعفات، إن علا وظهر عليه بقعود أهل الحق عن نصرته فعندهم ما يشغلهم من المطاعم والمناكح والملاعب!، كما هي حال زماننا، فما أمر إلا ليكون عبدا، فأبى إلا أن يكون طاغوتا يترأس باسم الديانة وأبى المقلدة المقصرون في طلب الحق المعرضون عنه الحاقدون على أهله وراثة سوء لجينات خرافة دينية تعقد ألوية الولاء والبراء لها دون نظر في أصلها فيسلم المقلد وينقاد فليس له من أمر نفسه شيء بعد أن سفهها بتقليد أعمى، أبوا إلا أن يكونوا عبيدا له بسجود القلوب خضعانا لأمره، ولو كان عين الباطل، وسجود الأبدان، أحيانا، في صورة من صور الغلو المقيت، التي تدل على كمال استيلاء الشرك على القلب بأن سوى بين العبد المربوب والرب المعبود، جل وعلا، فصرف للأول مع فقره ونقصانه ما لا يصرف إلا للثاني لغناه الذاتي المطلق، وكماله الوصفي الأزلي، فكيف يسوي عاقل فضلا عن عابد زاهد بين الناقص والكامل، بل ينصرف بقلبه عن الخالق ليتعلق بمخلوق فيصرف له من صور الخضوع والذل ما لا يصرف إلا لله، عز وجل، بزعم أنه النائب الذي وكل إليه التصريف فلا يدخل الجنة إلا من رضيه، ولا يحظى بالغفران إلا من قبله، وهو عند بعض أهل الملل والنحل: معصوم سواء أكان حاضرا أم منتظرا، وهو عند بعضهم يتصرف في ذرات الكون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير