تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ....... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 06 - 2010, 11:55 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ):

فتوجه النداء إلى العباد المؤمنين فإضافتهم إلى ياء المتكلم الراجعة على الرب، جل وعلا، من إضافة التشريف، فالعبودية هنا: العبودية الخاصة، بقرينة البيان بالموصول، فالتعريف به، كما تقدم مرارا، مئنة من تعلق الحكم بالمعنى الذي اشتقت من جملة الصلة، وفيه نوع تنبيه وإرشاد لهم بإشارة لطيفة إلى الهجرة من دار الكفر إلى دار يمكنهم إظهار شعار الدين فيها بإقامة أحكام الملة، فقد ضيق عليهم في مكة، فتعذرت الإقامة في البلد الأمين لتعذر إقامة أحكام الدين فيها، ولو أفرادا، ولما تجب الهجرة بعد، فكانت هذه الآية بمنزلة التوطئة والتهيئة النفسية للمؤمنين لقبول هذا التكليف الذي يشق على كثير من الناس، لصعوبة مفارقة الأهل والمال على كثير من النفوس، فقد قعد من قعد عن الهجرة وهو مستطيع، فنزل فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)، فجاء الاستفهام بيانا لعلة التوبيخ بترك الهجرة، فسعة الأرض، التي أضيفت إلى خالقها، عز وجل، إضافة المخلوق إلى خالقه، فذلك آكد في تهدئة الخواطر وبث الطمأنينة في النفوس، فالأرض: أرض الله، جل وعلا، ملكا وتدبيرا، فذلك من كمال ربوبيته، جل وعلا، إيجادا وإعدادا، فأوجد الأرض وهيأ فيها أسباب الحياة، فذلك من عنايته، عز وجل، بخلقه، مؤمنهم وكافرهم، ووعد أهل الإيمان بالتمكين في الأرض إن هم وفوا بالشرط، فـ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فالحكم مطرد منعكس، كسائر الأحكام الشرعية التي علقت على معان تقبل الوجود والعدم، بخلاف الذوات التي توجد على الدوام، فلا تحتمل العدم حينا والوجدان آخر، ولذلك صح الإخبار بظرف الزمان عن المعنى، فتقول: الصوم غدا، ولم يصح عن الذات، فلا تقول: محمد غدا، فذلك معنى قد علم بداهة فلا فائدة في النص عليه، على تفصيل ذكره النحاة في هذه المسألة، والشاهد منه: تعلق الحكم بالوصف الذي يوجد في زمان، كزمان الصدر الأول، فيوجد الحكم بالتمكين الذي حير العالمين، لا سيما أصحاب الفلسفة المادية البحتة في تفسير أحداث التاريخ، فلم يمكنهم في لا موضوعية عجيبة، إلا أن يردوا ذلك إلى الظروف البيئية التي ألجأت العرب إلى ترك الجزيرة والتوسع في الأمصار المجاورة رضا بالزرع واتباعا لأذناب البقر، ولو كانوا كذلك، لنكلوا بأهل البلاد المفتوحة، كما يصنع كل محتل غاز، وكيان يهود اللقيط خير شاهد على ذلك في واقعنا المعاصر، فقد أقام كيانه المسخ على جثث الموحدين من أبناء الأرض المقدسة، فأين ذلك الغزو الهمجي، وله نظائر كثيرة في تاريخ البشرية، من فتح المسلمين الذي كان رحمة بالمخالف والموافق معا، فرحب أبناء الأرض المفتوحة كالعراق والشام ومصر، بالفاتحين الجدد، ورضوا بأن يحكموهم ففضلوهم على أبناء دينهم، فمجوس العراق فضلوا المسلمين على الفرس، ونصارى الشام ومصر فضلوا المسلمين على الروم، لما وجدوا في ظل حكمهم من نعمة الأمن، الذي يفتقده كثير من المسلمين في زماننا في بلادهم!، فكثير لا يجد نوع حرية في إظهار شعار الدين وإبداء الرأي دون خوف إلا إذا لجأ إلى بلاد الغرب، لا سيما قبل أحداث سبتمبر 2001، التي ضاقت الدائرة بعدها رويدا رويدا، ومع ذلك لا زال هامش الحريات، وإن كان محدودا في الغرب النصراني أكبر بكثير منه في كثير من بلاد المسلمين، وتلك من حسنات العلمانية الضئيلة، التي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير