تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 10 - 2010, 03:10 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ):

فذلك من العموم الذي أفادته إضافة الرحمة إلى ضمير المتكلم، فتعم الرحمة باعتبارها وصفا ربانيا ذاتيا فهو الرحمن ذو الرحمة العامة، الرحيم ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين، في الدنيا والآخرة فهم المنصورون برسم الكلمة الكونية النافذة: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، فالجندية تكليف لا يكون في دار الجزاء فلا تسل فيها سيوف القتال بآي التنزيل وحديد الدفع والطلب للتمكين، فقد وضعت الحرب أوزارها وانتهى الأمر، وعرف كل فريق مآله الأبدي، فـ: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، و: "يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت"، وقد أضيفت الكلمة الكونية إلى ضمير الجمع مئنة من عظم نفاذها، فضلا عن التوكيد باللام و: "قد"، فـ: (لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ)، والماضوية، أيضا، مئنة من النفاذ، فقد سبقت في العلم التقديري الأول، وإن لم يقع تأويلها بعد، فتأويلها في عالم الشهادة ما رآه المسلمون في بدر والخندق، وما قاله هرقل الخبير: "وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ"، فـ: (الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، فـ: "أل" فيها مئنة من الاستغراق لوصف الكمال، فـ: "العاقبة" الكاملة في وصفها للمتقين، فكمال في الغاية وكمال في الوسيلة، و: "اللام" في المتقين مئنة من الاختصاص بمن تحقق فيهم وصف التقوى الذي علق عليه الحكم واشتق منه الاسم الدال على أعيان من تحقق فيهم، فلا عاقبة كاملة إلا للمتقين، فذلك من القصر الحقيقي، فقد يقع نوع تمكين، بل ظهور للكفار على المسلمين برسم: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، فبه يمتاز الخبيث من الطيب، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فيمتاز الخبيث الذي يعطي الدنية في الدين برسم المداهنة ولو بالتفريط في أصول الديانة، وخيانة أصحابها من سادات المؤمنين ولو كانوا مستضعفين في أبدانهم، فأولئك قد نالوا الحظوة عند رب البرية، جل وعلا، وإن لم ينصفهم الأنام ولم يعرفهم جل العباد، فيكفيهم أن ربهم، جل وعلا، قد علم أسماءهم ورأى منهم من كمال الأحوال الدينية في دار الابتلاء برسم التكليف ما صيرهم بفضل الرب العلي، جل وعلا، أهلا لجواره في دار السلام في دار الجزاء برسم: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)، فـ: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)، فمكوثهم فيها مؤبد، وذلك من جملة رحمات الرب، جل وعلا، بعباده المؤمنين، فالجنة معدن الرحمات، وفيها من أجناس النعيم المقيم ما لا يحصى، فرحمات الرب، جل وعلا، بالمؤمنين بالنظر إلى أنواعها وأعيانها لا تحصى، فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، فإن استعصى العد في دار الابتلاء، فكيف يتيسر في دار الجزاء، وهي، كما تقدم، دار النعيم المقيم الذي كملت أوصافه فليس فيه ما ينغصه كسائر لذات الدنيا التي لا تنفك، ولو مباحة طيبة، عما ينغصها، فلو أكل الإنسان فوق حاجته لأضره الطعام، بل قد يهلكه، كما هي حال كثير من المترفين الذين أصيبوا بتخمة في أبدانهم وغلظ في أكبادهم، فالامتلاء من المتاع المحسوس يصيب صاحبه في مقتل المعقول، فتذهب بطنة بدنه فطنة عقله، ويقسو القلب فلا لين في أجساد قد امتلأت من شهوات الحس الظاهر، ولذلك كان من أعظم صور العناية الربانية بالنوع الإنساني، عند التدبر والنظر، كما في "مختصر منهاج القاصدين"، ما يخلقه الرب، جل وعلا، في النفوس من كراهة الطعام والشراب بحصول الشبع والامتلاء، وكراهة سائر شهوات البدن كجماع ونحوه بعد أن ينال منها الإنسان حاجته، فيقيم الصلب برسم التقوي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير