تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الأحزاب]

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 09 - 2010, 08:42 م]ـ

ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا):

فذلك جار على ما تقدم مرارا من تصدير السياق بالتوكيد ففيه مئنة من عظم خطر الحكم الذي صدر به، وجاء المسند إليه على حد الموصولية تعليقا للحكم على المعنى الذي اشتقت منه الصلة وهو أذى الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجاء المعنى على حد المضارعة مئنة من عموم الحكم للحال والاستقبال، فهو عام في كل من فعل ذلك، أيا كان عصره أو مصره، وعام في كل صور الأذى المادي والمعنوي، فمن آذى الرب، جل وعلا، أو آذى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصريحا أو تلميحا، وقيس عليه بقية الأنبياء عليهم السلام وإنما اختص عليه الصلاة والسلام بالذكر لأنه خاتمهم فرسالته: الجامعة لعلوم وأعمال رسالاتهم فسبه: سب لهم بداهة، وسبهم: سب له بداهة، فالمنهاج واحد فمن آذى سائرا عليه لأجل سيره فقد آذى بقية السائرين بداهة، ولمسيس الحاجة إلى تقرير الحكم في حقه، فمن فعل ذلك عالما عامدا ولو مستهزئا غير مريد أو معتقد لما يقول فقد كفر كفرا ناقلا عن الملة، كما قرر ذلك جملة من المحققين كابن راهويه من المتقدمين وابن تيمية من المتأخرين.

وأذى الرب، جل وعلا، يكون بسبه وشتمه، فـ: "شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ , وَكَذَبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ , فَأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: إنِّي اتَّخَذْت وَلَدًا وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ , وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي أَوَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ"، فيؤذيه بالطعن في وصفه الذاتي بادعاء الولد له، فالتولد مظنة النقص: حاجة وافتقارا، فيعم هذا المعنى كل من قال بالتولد، فالفلاسفة رواد هذه المقالة الردية فقالوا بتولد هذا العالم من الرب، جل وعلا، تولد المعلول من علته، فجعلوا ذاته، جل وعلا، علة صدور هذا الكون، على حد الاقتران الزماني فالتقدم عندهم: تقدم رتبة لا زمان، والصحيح أن الرب، جل وعلا، متقدم على هذا الكون رتبة فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وزمانا فهو: (الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فله، جل وعلا، أولية الوصف والزمان، فوصفه الأول كمالا فلا يدانيه وصف الخلق، وإن بلغوا من الكمال ما بلغوا، فكمال الرب، جل وعلا، كمال مطلق من كل وجه، فلا يعتريه النقص من أي وجه، فذلك من التلازم العقلي الضروري، فالمتصف بكل كمال مطلق منزه بداهة عن كل نقص، فتلك طريقة الرسل الأبرار في هذا الباب الجليل، فيثبتون ما أثبته الوحي، وينفون ما نفاه، فهم حملة الرسالة التي بينت بأخبارها كمال الرب، جل وعلا، ذاتا وأسماء وصفات وأفعالا، فليس كمثله شيء فيها جميعا، فذلك الحد الشارح للتوحيد العلمي الخبري، فأسماؤه وصفاته نوع، وأفعاله نوع.

فالأول: توحيده في ذاته بأوصاف كماله، فهو الواحد في الذات، الأحد في الصفات، فليس كصفاته صفات، وإن اشتركت في مبانيها ومعانيها الكلية مع صفات البشر من علم وحكمة ..... إلخ، فلا يلزم من ذلك، كما تقدم مرارا، الاشتراك في حقيقة الوصف خارج الذهن، فحقيقة وصف الخالق، جل وعلا، تباين بداهة حقيقة وصف المخلوق، ولذلك امتنع عقلا أن يتولد منه شيء، فكل ما سواه يباينه في الحقيقة، فحقيقة ذات وصفات الخالق، جل وعلا، لا يماثلها أو يشابهها غيرها من حقائق ذوات وصفات المخلوقات، فلا يستوي الأول والحادث، ولو في أصل الوجود، فوجود الرب جل وعلا: واجب، ووجود الحادث: ممكن، ووجود الرب جل وعلا: أزلي، ووجود الحادث من اسمه: حادث، ووجود الرب جل وعلا: باق أبدي فهو الآخر، ووجود الحادث: فان في دار الابتلاء، باق بإبقاء الرب، جل وعلا، له في دار الجزاء فلا ينفك عن افتقار إلى الباقي بذاته، جل وعلا، ليبقيه فيمده بأسباب البقاء ويقطع عنه أسباب الفناء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير