تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي ...... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 07 - 2010, 02:49 م]ـ

ومن قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ):

فهذا المقطع من سورة الحجر مقطع جامع لمعاني الترغيب والترهيب التي ما أرسلت الرسل عليهم السلام وما نزلت الكتب وما شرعت الأحكام إيجابا يلائمه الترغيب بذكر الثواب، وتحريما يلائمه الترهيب بذكر العقاب، ما كان كل ذلك إلا لتقرير معاني الترغيب والترهيب وما يلزم منها من تجريد التوحيد والمتابعة تصديقا وامتثالا على طريقة النبوة فلا ينفع سالكا سلوكه إلا إن كان على منهاج الرسل عليهم السلام، فطريقهم يهتدى بمناره بخلاف طرائق وسبل غيرهم من أصحاب الملل والنحل والمذاهب العقلية والاتجاهات الفكرية التي خاضت في علل الكون الغائية بمعزل عن الوحي، أو صرفت النظر ابتداء عن النظر في غايات الكون فقصرت بحثها على العلل الصورية كما هي طريقة أصحاب المذاهب المادية الإلحادية التي قصرت المعارف على المعارف المدركة بالحس دون المعارف الغيبية التي لا تتلقى إلا من مشكاة الوحي الذي صيروه محض خرافة فردوا أمر هذا الكون المحكم إلى طبيعة صماء بكماء جعلوها أولا في مقابل أول المرسلين عليهم السلام فهو: (الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فأوليته، جل وعلا، أولية مطلقة، فلم يكن ثم إلا الله، عز وجل، بذاته القدسية وصفاته العلية فله الكمال المطلق الأزلي القديم بخلاف كمال غيره، فإن وجد فهو مقيد يرد عليه من عوارض النقص ما به يمتاز كمال المعبود بحق، جل وعلا، من غيره، حادث بعد أن لم يكن، فغيره حادث بذاته فكيف بكماله فهو طارئ عليه فيستفيد علم ما لم يكن يعلم ويظهر له من سنن الكون ما كان عنه خافيا، فاكتشافه لأصول العلوم والصناعات ليس بدعا كبدع الرب، جل وعلا، لهذا الكون بأعيانه وأحواله، بل هو رصد لتلك السنن الربانية لينتفع بها في تيسير معاشه والاستعانة بها على أمر معاده إن كان مسددا بسلوك منهاج النبوة، والشاهد أن الترغيب والترهيب من جهة وتجريد التوحيد وامتثال الشريعة من أخرى يتلازمان تلازما عقليا لا انفكاك فيه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع عدة، فصحة التصور تنتج صحة في الحكم، والعلم رائد العمل فهو البادئ له فمنه تكون الإرادة، وهو المصوب له إن كان على طرائق المرسلين عليهم السلام، المخطئ له إن كان على غيرها، فلا بد من التوحيد في القصد والمتابعة، فلا يكفي أحدهما، بل لا بد من اجتماعها ليقبل العمل، فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).

والشاهد أن الآيتين: بيان مجمل لوصف الرب، جل وعلا، على حد المقابلة، فالجمع بين الأضداد، على جهة الكمال، من معاني الربوبية الظاهرة، فالرب هو الذي يغفر ويعاقب، ويعز ويذل، ويستر ويفضح ........ إلخ.

وفيهما، أيضا، إجمال لما سيأتي بيانه من أخبار الرسل عليهم السلام مع أقوامهم، وما كان فيها من مغفرة وعقاب، وإنجاء وإهلاك، فظهر أثر وصف جماله، جل وعلا، في أوليائه، وظهر وصف جلاله في أعدائه.

وصدرت الآية بالأمر بالإنباء، فهو مظنة التشويق إلى معرفة النبأ، فيكون ذلك أكثر استرعاء لذهن المخاطب، فهو من قبيل التشويق في نحو قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، والأمر قد توجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمكان الرسالة وما يلزم منه من البلاغ العام، وهو يعم غيره من أصحابه وأتباع رسالته، ولو آحادا، فعلى كلٍ واجب البلاغ بقدر علمه وطاقته، فليس بيان العالم من جنس بيان آحاد الناس، وليس بيان القادر الآمن من جنس بيان العاجز الخائف، فلكلٍ حظه من التكليف بقدر حظه من العلم والبيان والقدرة، فالوجوب، وهو مقتضى الأمر، كفائي بالنظر العام إلى مجموع الأفراد، فليس طلب العلم المفصل واجبا عينيا على كل مكلف، وإنما الواجب هو ما لا يسع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير