تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ.)

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 04:30 م]ـ

من قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ):

فالخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار المواجهة، كسائر خطابات التنزيل، فقد توجهت ابتداء إلى صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبلغ عن ربه، جل وعلا، فمقام التبليغ يقتضي بداهة أن يكون المبلغ أول من يعلم، وأما باعتبار التكليف، فالخطاب يتوجه إلى كل من مكلف يصح تكليفه بمقتضى الخطاب، فيتوجه ذلك إلى كل مؤمن، فالعموم المعنوي قاض بإناطة التكليف بمقتضى الخبر بكل من تحققت فيه شروط التكليف، كما تقدم، فلا ينفك أي خبر، ولو محضا، عن دلالة إنشائية تستفاد من قرائن المدح أو الذم فيه، فالمدح مظنة الأمر بالفعل، والذم، مظنة الأمر بضده من الترك، ويتفرع عن ذلك خلاف أهل العلم فيمن يصح تكليفه، فالجمهور على تكليف من يصح توجه الخطاب إليه، ولو كافرا، فهو مخاطب بفروع الشريعة العلمية والعملية، ومخاطب بما لا تصح إلا به من أصل الإيمان المنجي، فيكون الخطاب هنا بتصديق الخبر وامتثال الأمر بالنظر إلى دلالته الإنشائية، فالنفي مظنة النهي، كما يأتي بيانه إن شاء الله، يكون متوجها إلى كل من قرأ هذه الآية وفهمها، والمسألة العملية التي تتناولها الآية، وهي الولاء والبراء، ليست عند التأمل، من مسائل الفروع العملية، بل هي من أعظم أجناس عمل القلب، فلا يتصور إيمان حقيقي يتجاوز حد التصديق العلمي المجرد إلا بتحقق هذا الأصل الجليل الذي غفل عنه فئام من الناس في زماننا، حتى صارت عداوة المؤمنين والسعي في إيصال الأذى القولي والبدني إليهم وإسلامهم إلى أعداء الديانة من الكفار الأصليين، حتى صار كل ذلك وظيفة رسمية! يتقاضى صاحبها راتبه عليها، ويحتج بصدور الأمر من جهات عليا لا تبديل لكلماتها، فلا تقبل المراجعة أو النسخ، فقد صارت في نفوسهم أشد إحكاما من آي التنزيل، وحال أولئك وأولئك: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)، و: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)، فلم يستثن الجنود، مع أنهم كانوا موظفين رسميين في دولة فرعون الديمقراطية التي تكافح إرهاب وإفساد الأنبياء وأتباعهم، فـ: (قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)، فالخطاب هنا: خطاب بأمر هو أصل في نفسه، ولا يصح مع ذلك إلا بتحقق الأصل الأول وهو التصديق والإقرار الجازم الذي يلزم منه بداهة الانقياد لأحكام الرسالة العلمية والعملية بالطاعة المطلقة، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، فيزيد الخطاب بأصل الولاء والبراء على خطاب المكلفين، ولو كفارا، بالفروع، فليس مجرد خطاب بفرع يلزم تحقق أصل الإيمان لوقوعه صحيحا، فلا ينتقض الأصل بتخلفه، وإن قدح في كماله الواجب، فمن ترك شعبة من الإيمان كالصدق، على سبيل المثال، فإن ذلك يقدح في كمال إيمانه الواجب فهو متوعد بوعيد الكاذب، ولا يقدح في أصل الإيمان في قلبه إلا إن استحله، فهو مؤمن ناقص الإيمان،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير