تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من صدر سورة الأعراف]

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2010, 11:15 م]ـ

ومن صدر سورة الأعراف:

ومن قوله تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ):

فهذا كتاب أنزل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، فنزل من رب العالمين، فتعلق النزول بالرب، جل وعلا، والربوبية مئنة من العناية الخاصة بمن نزل عليه، فهو الروح الذي أحياه، وأحيى به الدنيا، فالعناية في حقه: خاصة، والعناية في حق العالمين الذين أضيف اسم الرب، جل وعلا، إلى اسمهم: عامة، فهو البشير ترغيبا والنذير ترهيبا برسم العموم، فتوجه خطابه إلى أمة الدعوة من أجاب ومن لم يجب، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فالكتاب العزيز أثر نعمة النبوة، أعظم نعمة ربانية على النوع الإنساني، فليس ثم وحي بخبر أو شرع إلا بنبوة صحيحة، فأنزل إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم برسم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، فأضيف الفعل إلى ضمير الفاعلين مئنة من عظم المنة الربانية بالتنزيل الخاتم، فأنزل إليه فذلك مما اختص به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا ينال بكد أو تحصيل، فالنبوة منصب يصطفي الرب، جل وعلا، له من شاء من خلقه، فـ: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فذلك من آثار حكمته البالغة فيضع مادة الوحي في صدور صفوة خلقه، وأمر بالبيان العام، فتلك من المنة الربانية العامة على عموم النوع الإنساني، فالمنة: خاصة من وجه، عامة من آخر، وهي، كما تقدم مرارا، أعظم منة ربانية على الخليقة، فـ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ: فحذف مبدأ الغاية، فهو من الله، بداهة، فالتنزيل لا يكون إلا من الرب الخالق، والإله الشارع، فهو الذي خلق ورزق، فله التدبير الكوني، وهو الذي أنزل الكتاب، فله التدبير الشرعي، فـ: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)، فذلك بيان لمبدأ الغاية الذي حذف من آية الأعراف، فالتنزيل من جملة الحق الذي بعث به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيحمل مجمل آية الأعراف على البيان في آية: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)، على ما اطرد في التنزيل من حمل المجمل على المبين، وقد جاء البيان في الآية التالية من الأعراف: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).

فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ: فذلك من الخطاب إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواجهة، ولأمته تبعا، كما أشار إلى ذلك البغوي رحمه الله، فإليها توجه التكليف أصالة، وإن كانت تبعا في الخطاب، فلا يتصور وقوع الحرج في صدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التنزيل، فالخطاب جار مجرى خطاب: بيان مقادير الأعمال، على وزان الخطاب في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ووقوع الشرك المحبط للأعمال محال ذاتي في حق الأنبياء عليهم السلام.

والنكرة في سياق النهي مئنة من العموم، فلا يكن في صدر أحد من المكلفين حرج، أي حرج من التنزيل، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، فانتفاء الخيرة على سبيل الجحد الذي دل عليه الكون المنفي في صدر الآية مئنة من الجزم الذي يدل لزوما على انتفاء الحرج الذي يجده من لم يسلم لحكم الرب، جل وعلا، فيجد العاصي حرج الفسق العملي، ويجد المكذب أو الجاحد أو المستكبر أو المعرض الممتنع عن القبول وإن كان مصدقا، يجد حرج الكفر، كما أشار إلى ذلك النسفي رحمه الله، و: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير