تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حديث "اتق الله حيثما كنت"]

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 11 - 2010, 03:52 ص]ـ

من حديث معاذ، رضي الله عنه، مرفوعا: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".

فاتق الله، فذلك معنى يعم صور الوقاية، فاتق الله، فمادة التقوى تتعلق بالرب، جل وعلا، فاتق الله، باتقاء آثار صفات جلاله، والأمر لا يخلو من معنى الإرشاد الذي ينبه الغافل، فما عصى العصاة فانتهكوا الحرمات وتلك مئنة ظاهرة من قلة التقوى، ما وقعوا في ذلك إلا لعظم جهلهم وقلة علمهم بالرب، جل وعلا، ذاتا قدسية وصفات علية، فجهلوا مكره، وأمنوه فالجهل يولد في النفس أمنا مذموما من قبيل الأمن في قوله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري التوبيخي، ثم جاء التعقيب بلازم ذلك من الخسران، فالأمن برسم الجهالة أو الاستخفاف بوصف جلال الرب، جل وعلا، ذريعة إلى خسران الدنيا: (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، وخسران الآخرة، فـ: (مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)، والقصر حقيقي قد صيغ بأقوى أساليبه فذلك مئنة من التوكيد والتقرير للمعنى، فضلا عن الإظهار في موضع الإضمار فتقدير الكلام: فلا يأمنه، لتقدم ذكره، فإظهاره تعظيم للجناية بأمن وصف جلال الرب، جل وعلا، الثابت له برسم العدل والكمال فلا يمكر إلا بالماكرين، فـ: (مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وقد ذيلت الآية بوصف الخسران على جهة الاستغراق الذي دلت عليه "أل" الداخلة على الجمع، فضلا عن جواز حملها على الموصولية لاتصالها بوصف، فذلك أيضا آكد في تقرير المعنى بتعميم الحكم بالخسران في حق كل من أمن مكر الرب جل وعلا.

فما فسد العمل إلا فرعا على فساد العلم الذي يورث التقوى ومن آثارها الباطنة: الخشية، فهي من آثار العلم بصفات الجلال التي تولد في النفس رهبة من آثار صفات الجلال من كيد متين وأخذ شديد، فـ: "ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية" فذلك من القصر الإضافي الادعائي إمعانا في تقرير المعنى فما العلم إلا بآثاره النافعة خشية باطنة وخضوعا ظاهرا، فإذا خشع القلب بمباشرة أسباب التقوى العلمية والعملية: خشع البدن، فلا تتحرك أركانه إلا في مراضي الرب، جل وعلا، ولا تسكن إلا عن مساخطه، فتخلية المحل من أوصاف الشر تكون بالتقوى، فإذا علم العبد من صفات الجلال ما يحمله على الرهبة من آثارها، ولا يكون علم نافع في هذا الباب إلا من مشكاة النبوات التي يباشرها العبد المسدد بنظر عقلي محكم فلا يسوي بين المختلفين فيشبه الكامل بالناقص فيجعل حقائق أوصاف الخالق جل وعلا من جنس حقائق أوصاف المخلوق وإن وقع الاشتراك في المعاني الكلية الثابتة في الأذهان فلا يلزم منه وقوع الاشتراك في الحقائق الخارجية في الأعيان، فليس كمثله شيء، جل وعلا، في ذاته وصفاته، كما تقدم مرارا في مواضع سابقة، ولا يفرق بين المتماثلين، فلا يثبت للرب، جل وعلا، شيئا أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون آخر مع صحة دليله فهو ثابت بنص صحيح صريح كالأول، فعلام التفريق بينهما وكلاهما من مشكاة الوحي قد صدر، فتعطل بعض الأخبار الإلهية برسم التأويل بل قد يزيد الانحراف في هذا الباب فتؤول الأحبار السمعية بل الأحكام الشرعية كما هو مسلك الباطنية، وما ذلك إلا من شؤم: مخالفة الوحي، ونقض قياس العقل الذي لا يفرق، كما تقدم، بين متماثلين، ولا يسوي بين مختلفين، فذلك أصل جليل وفرقان مبين بين طريقة الوحي في الإلهيات والشرعيات، وسائر الطرائق المحدثة، فالوحي قد جاء بإثبات أمور ونفي أخرى فهي مما تنزه عنه الرب، جل وعلا، فلا يصح في الأذهان قبول بعض أخبار الوحي وأحكامه ورد بعض، برسم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، فذلك من الإنكار والتوبيخ لمن وقع في أقبح صور المناقضة لصريح المعقول ففرق بين متماثلين من مشكاة واحدة قد صدرا، فالتفريق بين المتماثلين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير