[تعدية الفعل أنذر في القرآن]
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[25 - 07 - 2010, 05:38 م]ـ
أنذر
قال الراغب "الإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور"
تعدّى الفعل (أنذر) في الْقُرْآن الكريم على وجهين:
1 - تعدّى إلى مفعوله الثاني بنفسه، كقوله تعالى {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر: 36] وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] وقال تعالى: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]
2 - وتعدّى إلى مفعوله الثاني بحرف الباء، وذلك في قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} [الأعراف: 2] وقوله تعالى: {فإنمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97، 98] وقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وقوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} [إبراهيم: 52]
الفعل (أنذر) يتعدّى إلى المفعول الأول بنفسه، وهو الملقى إليه الخبر ويتعدّى إلى المفعول الثاني وهو المنذر به تارة بنفسه وتارة بحرف الباء.
وقد تتبعت الآيات التي تعدّى الفعل (أنذر) إلى مفعوله الثاني بالباء فوجدت أن المُنذَر به هو الْقُرْآن. بينما الآيات التي تعدّى بها الفعل (أنذر) بنفسه، نجد أن المُنذر به هو العذاب، وسبب التفريق فيما بين التعديتين فيما يظهر، يعود إلى معنى الإنذار فقد تقدم أن معنى الإنذار هو الإخبار بما فيه تخويف, فالإنذار تضمَّن معنيين هما الإخبار والتخويف، فإذا غُلِّب جانب التخويف فيه تعدّى الفعل (أنذر) إلى مفعوله الثاني بنفسه؛ لأن الفعل خَوَّفَ يتعدّى إلى مفعوليه بنفسه، فتقول خوفتُ زيدا العذابَ كقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ} [آل عمران: 175] أي يُخَوِّفُكم أولياءه، ولذلك قال: {فَلَا تَخَافُوهُمْ}. ولذلك نقول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ] [القمر: 36] أي خوفهم بطشتنا.
أما إذا تعدّى بحرف الباء، فإنه قد غُلّب فيه جانب الإخبار، وأخبر يتعدّى إلى المُخْبَرِ به بالباء فتقول أخبرت زيدا بكذا.
فقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} أي أخبركم به مُخَوِّفاً لكم.
وسبب تغليب جانب الإخبار في التعدية إلى الْقُرْآن، هو أن التخويف به لا يكون إلا بعد الإخبار به، والحجة لا تقوم إلا بعد بلوغها للمُنذَر. فإن المراد أن يُبلّغ الناس بما في الْقُرْآن، لا أن يُخوّفوا به كأنه عذابٌ.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 04:12 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه اللفتة البلاغية الجميلة
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 07:03 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه اللفتة البلاغية الجميلة
بارك الله فيك أخي أبا سهيل
شرفني مروركم
ـ[الحطيئة]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 07:56 م]ـ
بارك الله فيك أخي بندر
كم نحن بحاجة إلى تتبعِ أساليب القرآن و متتبعِها أمثالِك!
و قد فعلتُ ذلك في رمضان الماضي , فجعلتُ ختمةً خاصةً بتتبع الأساليب القرآنية؛ فخرجت بفوائدَ لم أكن أظن خروجي بها , و قد ملأتُ بها قرابة مئتي صفحة , و لكنها ما زالت حبيسةَ كونِها مسودةً غيرَ ممحصةٍ مراجعةٍ
أسأل الله أن ييسر لي عرض بعضها لكم
واظب على ما تتحفنا به من استخراج الجواهر القرآنية , فإنني ممن يتابعك فيها , و احرص على جمعها , فلعل الله أن ييسر لك خروجها في كتاب
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 08:14 م]ـ
أنا لم أجامل يا أستاذي
لكننا فعلا بحاجة إلى مثل هذه النظرة البلاغية المبنية على الاستقراء التام والقواعد اللغوية المنضبطة
أعلم أن في جعبتك الكثير فلا تبخل علينا
دمت موفقا
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[28 - 07 - 2010, 09:17 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيرا أخي بندرا، وجعلني الله وإياك من المتدبرين لكتابه العاملين بما فيه.
¥