تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 09:02 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ).

فذلك من القصر الإضافي ففيه معنى الاحتراس المبطل لكلتا الدعوتين:

فـ: قل: على سبيل الإيجاب والإرشاد إلى فصل الخطاب في مسألة النبوة، وهو خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقرينة السياق، فالنبوة مقام قد اختص به أفراد من النوع الإنساني بأعيانهم اصطفاهم الرب، جل وعلا، لهذا المنصب الجليل، فليس الأمر بالقول هنا من جنس الأمر في قوله تعالى: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)، فذلك أمر يعم كل من تصدى لجدال أهل الكتاب خصوصا لقرينة السياق، والكفار عموما، فجنس المجادلة واحد، وإن تفاوت المجادَلون في الكفر، فوصف الكفر لهم جامع وإن تفاوتوا في دركاته.

فـ قل: إنما أنا بشر: فذلك قصر إضافي مبطل لدعوى من غلا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو غلا في الأنبياء، عليهم السلام، عموما، فالأنبياء، عليهم السلام، بشر من البشر، باعتبار الجبلة الإنسانية، وإن اختصوا بقدر زائد، ولكنه قدر لا يخرجهم عن حد البشرية، فليسوا على طرائق الملائكة فضلا عن أن يكونوا أربابا وآلهة، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).

يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ: فذلك قصر إضافي آخر فقد أوحي إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمور أخرى غير التوحيد لكن لما كان السياق سياق تقرير لأصل الملة في معرض جدال المنكرين حسن القصر الإضافي من هذا الوجه فضلا عن كون التوحيد أصل صحة كل ما يليه من الأعمال، فذلك وجه يصح معه حصر الدين في التوحيد فإنه شرط صحة لكل ما يليه من أعمال الديانة، بل ما شرعت الأقوال والأعمال وما دخلت في حد الإيمان إلا لكونها تصديق ما يقوم بالباطن من عقد التوحيد، فذلك الوحي هو القدر الزائد الذي اختص به، فامتاز النبي عن بقية البشر بخاصة النبوة، فقيد الموصوف: "بشر"، بالوصف الأول فهو المفرد: "مثلكم"، فذلك القيد الأول المبطل لمقالة الغلاة، وبالوصف الثاني فهو جملة: "يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ" على ما اطرد في كلام العرب من تقديم الوصف المفرد على الجملة إذا اجتمعا، وجاء الوصف على جهة المضارعة، فذلك من استحضار صورة الوحي، وهو مئنة من تجدد نزول الوحي، فذلك من تأويل قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)، فنزل تنزيلا، مئنة من التفريق، فنزل نجوما متتالية، فذلك القيد مبطل لقول الجفاة في حق النبوات بتسويتها بالبشرية من كل وجه على طريقة من جعل النبي من جنس المصلح أو الثائر أو الفيلسوف، فهو وإن شارك بعض أولئك في خصائص من قبيل: الذكاء وقوة النفس ... إلخ، إلا أنه قد استقل بقدر فارق لا يشركه أحد فيه وهو: الوحي المعصوم، فزاده كمالا على كماله البشري الذي جبل عليه، فصادف الوحي النازل محلا قابلا، احتوى الدين علما وعملا، على جهة الكمال لمكان العصمة، فلم يحو صدر غير صدره الدين بأكمله وإن حوى جملة من علومه وأحكامه، كثرت أو قلت، ثم جاء بيان الوحي على جهة القصر الإضافي أيضا، فهو كما تقدم، مئنة من عظم أمر التوحيد فهو الأصل لما بعده، فكأنه هو الوحي كله من هذا الوجه، مع أن الوحي بداهة قد جاء بغير الشهادة من سائر العلوم النافعة والأعمال الصالحة، فلا طائل من وراء أي علم أو عمل مهما صلح في نفسه إن لم يكن مسبوقا بالأصل المصحح لكل الأعمال، وذلك وجه خطاب الكفار بفروع الشريعة كما قرر المالكية والحنابلة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير