تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: ( .. لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 06:43 ص]ـ

ومن قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ:

فذلك من استنطاق الخصم بالحجة، فـ: قل على سبيل إثبات توحيد الربوبية الذي لم يخالف فيه أحد، فهو من جملة العلوم الضرورية المركوزة في النفس البشرية، فكل يدرك بفطرته قبل ورود التبديل بفعل المؤثر الخارجي، كل يدرك أن الباري، عز وجل، هو الملك، الذي انفرد بخلق السماوات والأرض، فلا ربد مدبر سواه، ولا راد لقضائه النافذ بكلماته الكونيات التي لا مبدل لها، على جهة الإخبار، بخلاف الكلمات الشرعيات التي لا مبدل لها على جهة الإنشاء فقد أمر البشر بحفظها، فوقع فيها التحريف، بالقضاء الكوني النافذ، ولو بخلاف القضاء الشرعي الحاكم، فلم يسلم من ذلك إلا الكتاب العزيز، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، والشاهد أن السياق قد جرى على ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين الربوبية التي دلت عليها اللام في: "لمن"، فهي تفيد الملكية، والملكية معنى رئيس في الربوبية، فهو يدل على الخلق والتدبير، لزوما، فالله، عز وجل، مالك خالق للأعيان، ملك مدبر للأحوال، فضلا عن تقديم ما حقه التأخير فهو مئنة من الحصر والتوكيد، فلمن ما في السماوات والأرض على جهة القصر، فلا شريك له في الخلق، ولا شريك له في الأمر، فالكون خاضع لكلماته الكونية، والجند الملكي بأمره يعمل، فقوله: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، على جهة المضارعة مئنة من توالي كلماته الكونية الآمرة، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فلا زالت أوامره الكونية تترى، فتقضى بها أمور قد شاء تقديرها أزلا، فيقع المقضي على ما قد قدره الرب، جل وعلا، بعلمه التقديري الأول، ويقال، أيضا بأن دلالة: "ما" على العموم، آكد في تقرير عموم ربوبيته، جل وعلا، لخلقه ملكا دلت عليه اللام، وتدبيرا هو من لوازم الملك، كما تقدم، بل هو قسيمه عند من جعل أخص صفات الرب جل وعلا: ملك الأعيان وما يلزم منه من تقدير وإيجاد، وتدبير أمرها وما يلزم منه من عناية بأحوالها وحكمة في تسيير أمرها، فـ: "ما" في هذا السياق: تعم العاقل وغير العاقل، لدلالة السياق على العموم، فإثبات ملكية الرب، جل وعلا، لكل الأعيان والأحوال، على جهة القصر كما تقدم، فذلك منصب لا يقبل الشركة، فذلك من قبيل: "ما" في قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فالتسبيح عام يشمل العاقل فهو مأمور بالتسبيح على جهة التكليف، فـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، ويشمل، أيضا، غير العاقل، فهو مأمور بالتسبيح على جهة التسخير، فـ: "إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ"، وهم يعم، أيضا، الأحوال، فتكون لـ: "ما" دلالة عموم تشمل كل الأحوال، كما أن لها دلالة عموم تشمل كل الأعيان، فهي قد تدل على الذوات، وقد تدل على المعاني أو الأوصاف التي تقوم بتلك الذوات، كما في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، فالمراد الصفة لا عين المنكوحة، فربوبية الباري، عز وجل، تشمل كليهما، فهو، كما تقدم مرارا، خالق الأعيان ومدبر أحوالها فما يقوم بها من صفات: صحة أو فسادا، سلامة أو عطبا، قوة أو ضعفا، فتلك من الصفات المحسوسة التي تتعلق بقوى الجسد الكثيف من نماء واغتذاء ...... إلخ، أو: إيمانا وكفرا، استقامة أو اعوجاجا، فتلك من الصفات المعقولة التي تتعلق بقوى الروح اللطيف، فما يقوم بها من هذه الصفات إنما يجري على ما قدر الرب، جل وعلا، أزلا، ثم قضى في عالم الشهادة، فأصح أرواحا وأبدانا، فتقبل الاغتذاء بنافع الوحي النازل والرزق النابت، فآلات وقوى صحيحة، وغذاء نافع به تنمو وتزكو، فذلك فضله، تبارك وتعالى، أن أمد بأسباب الصلاح في الدارين،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير