تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الأنبياء]

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 10 - 2010, 04:03 ص]ـ

ومن سورة الأنبياء:

ومن قوله تعالى:

قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ: فقدم ما حقه التأخير لكونه محط الفائدة، فقد نمى إلى أسماعهم ذكر فتى يذكر آلهتهم يقال له إبراهيم، فجاءوا به برسم الاتهام بتحطيم آلهتهم، وأضافوا الآلهة إلى أنفسهم فالإضافة إلى الضمير مئنة من الملكية والاختصاص إمعانا في الانتصار لها، كما ينتصر صاحب كل مقالة لمقالته، فإن ذلك لا يقتصر غالبا على القول بل يتعداه إلى الفعل، فالتصور الصحيح أو الفاسد لا بد أن يولد في نفس صاحبه إرادة جازمة تنضح آثارها من أقوال وأعمال هي ثمرة المعارف الباطنة، فالآداب الظاهرة، صحيحة كانت أو فاسدة، هي ثمرة المعارف الباطنة، كما أشار إلى ذلك صاحب "الإحياء" رحمه الله، فلم يقتصر الأمر على الانتصار بالشجب والاستنكار، بل كان لهم من الإرادة الباطنة والقوى الظاهرة ما كادوا به لإبراهيم، عليه السلام، فـ: (أَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)، فانتصارهم من جنس انتصار أهل الباطل لباطلهم، فذلك مما شكا الفاروق، رضي الله عنه، لربه جل وعلا: "اللهم إليك أشكو جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة"، فلهم من الجلد والصبر ما يثير الدهشة والغيرة عند أهل الحق، فـ: (انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، فانطلق الملأ بأقوالهم وإراداتهم وأفعالهم التي سجلتها كتب السير فهي خير شاهد على انحياز أهل الباطل لمقالتهم برسم البذل لكل قوى البشر من مال وسلاح، فقد أنفقت أموال طائلة لصرف الناس عن الرسالة، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)، وزخرفت الأقوال، فكان النضر سفير قريش إلى فارس، فمنهم تعلم قصص كسرى واسفنديار ليعارض بها قصص التنزيل، فذلك من جنس اللغو في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فلا تسمعوا له، فالانصراف عن الحق مظنة الوقوع في الباطل، فاصرفوا الأسماع والعقول عنه بإثارة الشبهات حوله، بتتبع متشابهه والإعراض عن محكمه، وتلك حال أعداء الرسالات من الكفار الأصليين وأذنابهم في كل عصر ومصر، فالتنزيل محل بحث وتدقيق، لتلفيق شبهة باردة أو معارضة محكم بمتشابه، فإثارة الشبهات حول الرسالة وصاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو بكذب أو سوء فهم متعمد فهو مسبوق بفساد إرادة مبيت، وسيلة فاعلة في صرف ضعاف العقول عن الاستماع للحق الذي يصدع الأفئدة بحججه الناصعة، فليس عند أهل الباطل إلا شبهات فالرسالة قد سلمت حججها المحكمة من المعارضة، وإنما ابتلي المكلفون بمتشابه في الفروع، فلا تشابه في أصول الديانة التي جاءت بها الرسالات فهي من المحكم الذي تواطأت عليه الكتب النازلة برسم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فالتوحيد أصل الأصول وقد جاء بيانه بأفصح لفظ وأبلغ معنى، فلا تنهض حجة رسالية بمتشابه لا يسلم من المعارضة فالحجة الرسالية التي يثبت بها عقد الإيمان المنجي: حجة ناصعة لا يملك المنصف إلا التسليم بها، بل قد شهد أعداؤها لها، فقال أبو سفيان في معرض حكاية أوامر الرسالة: "اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة"، فلم يملك إلا أن يكون داعية من دعاة الحق!، كما يتندر بعض الفضلاء المعاصرين، فقد استنكفت نفسه الكذبَ فليس من أخلاق السادة، فأبان بأبلغ عبارة عن أصول الديانة العلمية والعملية التي أجمعت أخبار الرسالات وأحكام العقول ومدارك الفطرة والحس على حسنها، فحجة الرسالة الصحيحة مواطئة لأصول لقياس العقول الصريحة وآثار الفطرة السوية ومدارك الحس السليم، فلم تأت الرسالة إلا بما يواطئ الجبلة الإنسانية فهي محل التكليف فلا يجد العاقل سليم الذوق والحس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير