تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: ( .. لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ ......... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 06 - 2010, 12:55 م]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ):

فصدرت الآية، كما اطرد في سياق هذه الآية خصوصا، وفي سياق القرآن المدني عموما، بنداء المؤمنين، باعتبار التغليب، فجمهور المخاطبين من المؤمنين فيتوجه إليهم الخطاب أصلا، وغيرهم لهم تبع، على قول من يقول بتكليف الكفار بفروع الشريعة أمرا ونهيا، أو من يقول بخطابهم بالمنهيات دون المأمورات فهذا النهي من جملتها، فالخطاب عام، وإن اختص لفظه بالمعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة، فالتعريف بالموصول هنا مئنة من تعلق الحكم بوصف الإيمان الذي اشتقت منه الصلة، ولكنه، لقرينة خارجية، وهي عموم الرسالة الخاتمة، فتصديق أخبارها وامتثال أحكامها، حتم لازم لكل مكلف من أمة الدعوة العامة، وإن توجه الخطاب إلى أمة الإجابة الخاصة، لهذه القرينة الخارجية قد عم من لم يتحقق فيه معنى الإيمان، فخطابه، كما تقدم، بالتبع، فيكون ذلك من الخاص الذي أريد به عام، فالخطاب قد توجه إلى المؤمنين خصوصا، وأريد به المكلفون عموما، فذلك عند من يقول بالمجاز في الكتاب العزيز: مجاز مرسل علاقته الجزئية أو الخصوص فأطلق الجزء وأريد الكل، أو الخصوص وأريد العموم، لما تقدم من قرينة عموم التكليف، ومن ينكر المجاز فإنه يستدل بنصوص عموم الرسالة من قبيل قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، وحديث الخصائص، وفيه: "وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً"، فكلها قرائن لفظية، وإن كانت منفصلة عن السياق محل الشاهد، والقرينة اللفظية رافعة للمجاز ذي القرينة العقلية، فيتبادر إلى الذهن من جمع أدلة الباب: عموم المعنى وإن خص المؤمنون بلفظه، فضلا عما تلا ذلك من العموم المستفاد من تسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل: "يسخر"، وورود النكرتين: "قوم"، و: "نساء" في سياق النهي، فذلك من دلائل العموم، كما قرر أهل الأصول، فكل ذلك مئنة من عموم الخطاب كما تقدم.

وبعد النداء بـ: "يا"، وهي نص في نداء البعيد، والبعد هنا في حق الله، عز وجل، مئنة من علو الذات فعلى العرش استوى على الوجه اللائق بجلاله، وبعد المكانة، فله المثل الأعلى، وفي حق المؤمنين: استرعاء للانتباه وشحذ للأذهان، وفي حق الكافرين على ما تقدم من عموم الخطاب لهم بالتبع: تنبيه للغافلين، فالكافر مظنة ذلك فلزم قرع سمعه بما يوقظه.

بعد هذا النداء جاء النهي على جهة التحريم، فذلك الأصل فيه، ولا قرينة هنا تصرفه عنه إلى دلالة أخرى، فهو حقيقة في التحريم مجاز في غيره، وإن لم يخل غيره من قرائن ترد في سياقه ترجح المراد، فلا يلزم حينئذ القول بوقوع المجاز على ما اطرد مرارا من حجة مانعي المجاز في الكتاب العزيز.

وتسلط النهي كما تقدم على المصدر الكامن في الفعل: "يسخر"، فأفاد عموم النهي عن جنس المنهي عنه، فلا يسخر أي سخرية، ثم جاء التفصيل باستيفاء شطري القسمة العقلية:

لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُم:

فقدم الرجال لتفضيلهم إجمالا على النساء، فجنس الرجال إجمالا خير من جنس النساء، فقدموا لذلك، وتوجه إليهم الخطاب في كثير من آي التنزيل، على جهة التغليب، لتوجه الخطاب إليهم ابتداء، فلا يمنع ذلك من دخول النساء معهم فيه لقرينة عموم التشريع، فهن داخلات دخول الرجال، فالأصل تساوي الجنسين في التكليف الشرعي، إلا ما ورد الدليل على اختصاص أحدهما به دون الآخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير