[من سورة القيامة]
ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 05 - 2010, 07:23 ص]ـ
ومن قوله تعالى:
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ:
فالقسم قد أكد بـ: "لا" النافية بمنزلة من قال: لا أقسم بيوم القيامة تعظيما لشأنه أن يقسم به، أو على تقدير: لا أعز عندي منه لأقسم به، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وحمله بعض المفسرين على إرادة معنى النفي فيكون في الكلام مبالغة في تعظيم شأن المقسم به، حتى صح نفي القسم به إجلالا له، فإذا حمل النفي على المبالغة لزم من ذلك تفسير النفس اللوامة بأنها النفس الطيبة التي تلوم صاحبها على ترك الخير وفعل الشر، وإن حمل على النفي المجرد لزم منه تفسيرها بأنها: النفس الخبيثة التي تلوم صاحبها على فعل الخير!، وهي من الخبث والشح بمكان.
وأشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" إلى أقوال أخرى لأهل العلم في هذا القسم المنفي منها:
حمل النفي على التوطئة لنفي المقسم عليه على تقدير الجواب بـ: لا يتركون سدى، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالنفي قد وطأ للجواب: "لَا يُؤْمِنُونَ" وقول امرئ القيس:
فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ ******* لا يدّعي القومُ أنّي أفرّْ
فالنفي في صدر البيت موطئ للنفي في عجزه.
وقال بعض أهل العلم بتقدير منفي دل عليه السياق، فيكون نفيا لشيء تقدم هو إنكارهم البعث، كأن يقال: زعموا ألا بعث، فجاء النفي إبطالا لزعمهم: لا، ثم جاء القسم على ضده إمعانا في الإبطال، وذلك جار على ما اطرد في كلام أهل العلم من جعل القرآن كله كالسورة الواحدة فهو مبني على الوصل، وإن تبعض إلى سور وآيات، ولذلك يذكر الشيء مجملا في موضع، ويذكر بيانه في موضع آخر، كما مثل لذلك ابن هشام، رحمه الله، بقوله تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)، فهو مجمل قد بينه قوله تعالى في موضع آخر من التنزيل: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ)، فذكر مقالتهم السوء في موضع، ونفاها عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بالنفي المؤكد بالباء الداخلة على خبر: "ما" الحجازية في موضع آخر: "بنعمة ربك"، وهذا أصل جليل سبقت الإشارة إليه مرارا في معرض الكلام على طرائق تفسير آي الكتاب العزيز.
"مغني اللبيب"، (1/ 265).
فالحاصل أن القسم قد وقع مؤكدا بالنفي، فأقسم بيوم القيامة وأقسم بجنس النفس اللوامة، فـ: "أل" جنسية استغراقية لعموم الأنفس، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على خلاف في المراد منها، فقد فسرت بالشيء وضده، كما تقدم، ولكل محمل صحيح، وإن كان تفسيرها بالنفس الطيبة أظهر.
ثم جاء الاستفهام في معرض الإنكار التوبيخي: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ:
فالحسبان هنا بمعنى اليقين فذلك ظن الذين كفروا، وقد جاء مؤكدا بضمير الشأن المحذوف في: "أن" والنفي عقيبه فذلك مئنة من شدة إنكار المخاطب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، و: "أل" في: "الإنسان": عهدية بالنظر إلى سبب نزول الآية فقد نزلت في إنسان بعينه هو: عدي بن ربيعة، وهي من جهة المعنى، وهو إنكار البعث والنشور، ولا يكون إلا من كافر، عهدية، أيضا، ولكن العهد فيها قد اتسعت دائرته لتشمل جنسا بعينه من الإنسان، هو جنس الكافر، فمعنى الجنسية فيها معتبر بالنظر إلى عموم الكافرين المنكرين للبعث، بلسان المقال أو الحال، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما اطرد ذلك في عمومات القرآن الواردة على سبب فلا تختص بهذا السبب إلا إذا دلت القرينة على التخصيص وإلا فالأصل هو العموم، فيشمل كل ملحدي الأمم في كل عصر ومصر من الدهريين الأوائل إلى الشيوعيين والملاحدة الأواخر، ومن سار على طريقتهم من أصحاب المذاهب الوضعية التي أنكرت أولية الرب، جل
¥