تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 06 - 2010, 02:01 م]ـ

من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ:

فجاء التوكيد بتصدير السياق بالناسخ المؤكد فذلك أبلغ في تقرير المعنى، وجاء التعريف بالموصولية تعليقا للحكم على الوصف الذي اشتقت من الصلة التي جاءت على حد المضارعة استحضارا للصورة في معرض التنفير منها، فذلك من باب تسجيل الجناية على جهة الاستمرار الذي تدل عليه المضارعة، فلا زال الكتمان والتحريف جاريا إلى يوم الناس هذا، كما لا يخفى ذلك على أي متابع للشأن الكتابي عموما، والنصراني خصوصا، ولعل أبرز صورة معاصرة من صور التحريف: تبرئة يهود من دم المسيح عليه السلام، على ما يزعم النصارى من فرية القتل والصلب، للمرفوع بقيد التطهير، وهو ما اعتبر تحالفا جديدا لمواجهة المد الإسلامي بين اليهودية والنصرانية في دورها البروتستانتي ثم الإنجيلي المتطرف الذي دشنه مارتن لوثر الذي اعتبر اليهود سادة لا يملك النصارى إلا الاقتيات على فتات موائدهم فهم أصحاب العهد القديم، صلب الديانة والشريعة، فما العهد الجديد إلا مكمل له، وهذا صحيح، فالنصرانية لا قيام لها إلا بالعهد القديم، فقد أحالت على شريعة يهود، فإن نبذتها صارت ديانة بلا شريعة، وواقع حالها شاهد بذلك، فتكاد تكون ديانة نظرية، لا شريعة محكمة لها، لما عرف عن النصارى من توسع في نسخ الأحكام، فذلك من صور الطغيان الديني لآباء الكنيسة الذين جعلوا لأنفسهم سلطانا أرضيا يعارض السلطان السماوي، فما أجروه من الأحكام، وإن كان على خلاف الشريعة، لا مبطل له، فالأب في السماء لا يملك حق النقض لما أبرمه الآباء في الأرض، ولكل أب عقله وذوقه وأتباعه الذين: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ).

و: "أل" في "الكتاب": جنسية تستغرق ما نزل عليهم من الكتب: التوراة والإنجيل، فالوصف في علماء اليهود والنصارى متحقق، بل لو قيل بعموم المعنى لاستغرق عموم: "أل" القرآن، من جهة كتمان أحكامه دون تحريف، فذلك قدر فارق امتاز به التنزيل الخاتم عن بقية الكتب فإن أهل الضلال في العقائد أو الشرائع لم يقدروا على تبديل لفظه أو الطعن في نقله، فلجئوا إلى التحريف برسم التأويل بحمل ألفاظه على معان باطلة أو بعيدة لا مستند لها من سياق لفظي أو قياس عقلي صريح، وهم مع ذلك أراذل أصاغر، لا تروج بضاعتهم الكاسدة إلا في أوساط الجاهلين، فقد تصدى لها المحققون من علماء الملة فأبانوا عوارها وأثبتوا بطلانها، وذلك من حفظ الرب، جل وعلا، للدين الخاتم: مبان ومعان، حروفا وحدودا، والشاهد أن المعنى يعم كل كاتم للعلم، وإن كان صحيحا محفوظا، فكيف إن كان باطلا، قد تسلط عليه أربابه بالكتمان والتبديل استبقاء لما لا بقاء له من المآكل الخسيسة والمآرب الوضيعة، وحال آباء الكنيسة، وانحرافاتهم الأخلاقية والمالية ..... إلخ، وطغيانهم الكنسي الذي يفرض على أتباع الكنيسة تعطيل العقل، وتاريخهم الأسود في قمع أي نهضة فكرية، أو حركة إصلاحية، ولو من داخل الصف النصراني خير شاهد على ذلك.

وكتمانهم يعم الأخبار، فقد كتموا البشارة بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والأحكام، كما في سبب نزول الآية، فقد كتموا حكم الرجم، فـ: "ما" نص في العموم، فيشمل الخبر والحكم معا، وإن كان سبب النزول في كتمان حكم الرجم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير