تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 12 - 2010, 04:06 ص]ـ

من قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)

فتسلط الإهلاك في معرض الشرط على القرية المجموعة من البشر، فذلك ما ينصرف إليه الذهن ابتداء لقرينة تسلط فعل الإهلاك المتعدي عليها، وهو من وصف جلال الرب جل وعلا، فالإهلاك من فعله المتعلق بمشيئته النافذة إيقاع الجزاء العدل بمن أفسد في الأرض من المترفين، فالإهلاك عقوبة متعدية فالمعنى قد تعدى بالهمزة، والعقوبة تنال ابتداء من عصى، وإن نال شؤمها من لم يعص بل ما لا يعقل من الشجر والحجر، فهو مادة بناء القرية المجموعة من الدور والقصور، فيصح على هذا الوجه تسلط فعل الإهلاك على العصاة وعلى غيرهم من الشجر والحجر، لانفكاك الجهة فهي نائلة العصاة عقوبة كونية نافذة، ونائلة غيرهم من الطائعين بشؤم المعصية المتعدي، سواء أقصروا في الإنكار أم أدوا ما يجب عليهم من الوعظ والإرشاد بل والإنكار على تفاوت مراتبه بتفاوت القدرة والولاية، فشؤم المعصية عظيم يهلك العاصي والطائع وإن اختلفوا في الصدور فورودهم مورد الهلاك بشؤم معصية المترفين حتم لازم فهو من السنن الكوني النافذ، ولذلك صح بل وجب حمل الإرادة التي صدرت بها الآية على الإرادة الكونية النافذة، فإن الله، عز وجل، لا يريد الفسق شرعا، بل قد نهى عنه وذم فاعله، بل ونائلة الشجر والحجر كما تقدم فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وفي زماننا ظهر، أيضا، في الجو!، فإفساد النوع الإنساني بشؤم معاصيه وسفه عقله الذي صور له أنه سيد الكون بلا منازع، وتلك نظرية الفيلسوف اليهودي "نيتشه" الذي زعم موت الإله وانفراد الإنسان أو "السوبر مان" بحكم العالم وقد نهج طريقته بعض الأدباء العرب ممن رمزوا للإله بالشيخ الفاني الذي سرعان ما مات ليترك إرثه لأولاده، وبعض المناهج الأدبية العلمانية تنهج طريقة موت المؤلف في نقد الأعمال الأدبية فتنزع عن التنزيل قداسته فهو نص كأي نص يخضع لأصول النقد الحديثة فيلزم قطع النسبة بينه وبين مؤلفه!، بزعم من أنكر الوحي صراحة أو تلميحا، فمؤلفه قد مات فلينظر الناقد في نصوصه بمقتضى أصول النقد الحديث فقد مضى زمان تأليفه وظهرت مدارس نقدية جديدة!، وكل ذلك مئنة من جفاء النبوات بإهدار عصمتها ونزع رسم القداسة عن كلماتها، وكذلك الشأن فيمن قصر معنى الربوبية على الخلق دون التدبير فقد خلق الرب، جل وعلا، الكون ثم نسيه كما زعم بعض الفلاسفة، فوكل أمر هذا الكون إلى السوبرمان!، فلا تثريب عليه إن عبث بالسنن الكوني فأفسد في الأرض برسم الإصلاح، فـ: (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، فجاء التوكيد على ضد تصورهم الفاسد مصدرا بجملة من المؤكدات تثبت الجناية في حقهم على جهة اليقين الجازم: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)، والشاهد أن انفكاك الجهة بين تلك المعاني بتباين الموارد فلا يستوي مورد الهلاك عقوبة، ومورد الهلاك ابتلاء يثاب عليه الإنسان فهو في حقه منحة باعتبار المآل وإن عظمت به المحنة باعتبار الحال فيلقى من صنوف الابتلاء بالمرض والألم ما قد يفوق ما يلقاه المترف الذي تجري عليه سنة الإملاء والاستدراج قبل الأخذ والإهلاك، فـ: (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، فيظن التأخير وهو مقيم على المعصية نعمة!، وهي عين النقمة فما ناله إلا انقطاع العذر وزيادة الوزر، فيتمنى أن لو هلك قبل ذلك بكثير، بل يتمنى أن لو كان ترابا، فذلك التمني في معرض الذم في نحو قوله تعالى: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)، لا يعارض التمني في معرض المدح في نحو قول الصديق رضي الله عنه: "والله!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير