تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 04 - 2010, 09:11 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ):

فذلك من الأمر للإرشاد، فخذ، على سبيل التناول والعناية بالمأخوذ، فالأخذ مظنة التمسك، ففيه قدر زائد على مجرد تناول الشيء، وفيه، عند من يثبت وقوع المجاز في التنزيل، استعارة الأخذ الحسي للأخذ المعنوي مئنة من كمال التلبس بالوصف والامتثال للأمر، فمادة الأخذ هنا دالة على الأخذ الشرعي، لقرينة توجه الأمر به على جهة الإرشاد، فلا يكون ذلك إلا شرعا إما على جهة الإلزام، وإما على جهة الندب، فالأخذ هنا خلاف الأخذ في نحو قوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)، فقرينة السياق دالة على الأخذ بالإهلاك، فذلك أخذ كوني لأعداء الرسالات بكلمات الرب، جل وعلا، الكونية فعن وصف جلاله صدرت، وبها ظهرت آثار أوصاف الجلال من الجبروت والانتقام ....... إلخ. ومن ينكر المجاز فإنه يرد الأمر، كالعادة، إلى عرف اللسان وما يتبادر إلى الذهن من معنى الأخذ، فهو، كما تقدم، مئنة من كمال العناية وهو المراد في هذا السياق فأدركه الذهن ابتداء، فهو من قبيل الأخذ في نحو قوله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، وأخذ الكتاب بداهة كناية عن العناية به تدبرا وتمسكا ولا يمنع ذلك إرادة المعنى الحقيقي بتناوله باليد.

و: "أل": في: "العفو": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتعم كل أنواع العفو، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مما يلائم أزمنة الضعف، ومقام الدعوة، فلا يقال بأنه منسوخ بآية السيف، بل هو منسوء فيدور مع الوصف الجالب له وجودا وعدما، فمتى كان ضعف فاللائق هو الرفق بلا ذلة وضعة، ومتى كانت قوة فاللائق هو الشدة بلا ظلم أو عدوان، ولكل مقام مقال فليس مقام الدعوة والمناظرة بالحجة والبرهان كمقام القتال والمفاصلة بالسيف والسنان، فالأول مظنة الجمال والثاني مظنة الجلال فلا يصلح أحدهما محل الآخر، وإنما الحكمة وضع الشيء في موضعه الملائم له.

والعموم مخصوص بما لا يعفى عنه من حقوق الله، عز وجل، وحقوق العباد، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فـ: "مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".

وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ: فذلك عموم آخر، والأمر متوجه ابتداء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو مأمور من وجه، آمر من وجه آخر، فيدخل في عموم التكليف فهو أحد المكلفين، ويأمر على جهة التشريع فذلك من البلاغ الذي اختص به بمقتضى منصب النبوة، فهو، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صاحب الشريعة باعتباره المبلغ لها، فـ: (مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى).

والعرف: مصدر أريد به اسم المفعول، على ما تقدم في أكثر من موضع، من تبادل الصيغ التصريفية على جهة مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يقول بالمجاز، ومن ينكره فإنه يجريه مجرى قوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، أي: مخلوقه فالسياق دال بظاهره على المعنى المراد دون حاجة إلى تكلف القول بالمجاز، فكذلك الأخذ بالعرف إنما يكون بالأخذ بخلال المعروف.

وقد استدل بعض الأصوليين بهذه الآية على حجية العرف فهو أحد أدلة الأحكام الكلية، ولا دليل فيها، عند التحقيق، إذ في هذا الاستدلال: حمل للحقيقة القرآنية المتقدمة على الحقيقة الاصطلاحية المتأخرة بقصر معنى العرف العام على معنى بعينه، فيعدل عن عموم: "أل" في: "العرف" إلى خصوص العرف الاصطلاحي في علم الأصول فتصير: "أل" عهدية في عرف بعينه لم يكن معروفا، كما تقدم، زمن التنزيل، فضلا عن خروجه عن الأصل، فالأصل حمل ألفاظ الشرع على العموم ما لم ترد قرينة تدل على الخصوص فيضيق المعنى باقتصاره على ما قامت البينة على إرادته دون غيره، والبينة لا بد أن تكون معهودة زمن ورود النص، ولم يكن علم الأصول بأكمله فضلا عن مبحث العرف وحجيته، لم يكن ذلك معهودا زمن الرسالة، فكلها، كما تقدم، اصطلاحات حادثة وضعها أهل العلم لتيسير دراسة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير