تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من آيات الصرف الكوني]

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 11 - 2010, 04:00 ص]ـ

من قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ):

فذلك من الصرف الكوني عقوبة عادلة لمن تكبر في الأرض بغير الحق، ولا يكون الكبر في حق البشر إلا نقصا، فقوله: (بِغَيْرِ الْحَقِّ): وصف كاشف يزيد المعنى بيانا وتقريرا، فترسخ في الذهن صورة قبيحة لمن علا وتكبر في الأرض فنازع الرب، جل وعلا، وصفه الذاتي اللازم، فـ: "الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ"، فليعلم المتكبر أن الكبر، كما يقول الغزالي، رحمه الله، في "الإحياء": "لا يليق إلا بالله عز وجل وحده وأنه إذا تكبر صار ممقوتا عند الله بغيضا وقد أحب الله منه أن يتواضع وقال له: إن لك عندي قدرا ما لم تر لنفسك قدرا فإن رأيت لنفسك قدرا فلا قدر لك عندي.

فلا بد وأن يكلف نفسه ما يحبه مولاه منه.

وهذا يزيل التكبر عن قلبه وإن كان يستيقن أنه لا ذنب له مثلا أو تصور ذلك.

وبهذا زال التكبر عن الأنبياء عليهم السلام إذ علموا أن من نازع الله تعالى في رداء الكبرياء قصمه وقد أمرهم الله بأن يصغروا أنفسهم حتى يعظم عند الله محلهم فهذا أيضا مما يبعثه على التواضع لا محالة". اهـ اهـ

ومثله القيد في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ): فلا يكون البغي بحق، ولا يكون من الآلهة التي تشرك بالله، جل وعلا، لا يكون منها ما قد نزل به سلطان فذلك من الممتنع بداهة وإلا بطلت الحجة الرسالية المقررة للتوحيد: دين المرسلين عليهم السلام، فالحجة الرسالية سالمة من المعارضة فليس مع أعدائها سلطان علمي وإنما محض شبهات ردية يعارض بها محكم النبوات الذي قرر التوحيد بأبين معنى وأفصح لفظ.

وجاء التعريف بالموصولية على ما اطرد مرارا من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه الصلة فعلقت عقوبة الصرف الكوني عن الآيات الشرعية والكونية، فصرف المخذول عن النظر في الآيات الشرعية المسطورة، وصرف عن تأويل أخبارها بالتصديق وأحكامها بالامتثال، فتأويل خبر الوحي تصديقه فلا أصدق منه فهو من كلمات الرب النازلات، وكلماته، جل وعلا، كونية كانت أو شرعية، قد صدرت ممن له كمال العلم والحكمة فتطرق احتمال الكذب إليها محال عقلي فيمتنع لذاته فهو مما لا تنال صورته في الذهن، بل غايته أن يفرضه المفتري فيكذب خبر الوحي، وليس ذلك بدليل بداهة، فهي دعوى تفتقر إلى دليل، وأنى لصاحب هذه الدعوى الباطلة دليل صحيح صريح سالم من المعارضة على كذب خبر الوحي، معدن الصدق، وصدق دعواه؟!، وذلك سؤال يتوجه بداهة إلى كل مكذب بالرسالات، لا سيما الرسالة الخاتمة، فقد قام عليها من دلائل الصدق ما لم يقم على غيرها، فاشتركت مع بقية الرسالات في الأصل التوحيدي الجامع، وهو أصل جليل قامت عليه من دلائل النقل والعقل والحس ما لم يقم على غيره، فهو الكلمة التي بها قامت السماوات والأرض، ولها خلقت وبها حفظت، فلا عمارة للكون إلا بها، ولا صلاح لأعيانه وأحواله إلا بتصديقها وامتثال لازمها الحكمي، فهي أول وهو المحل الثاني، فالتصور يسبق الحكم بداهة فترتسم صورة علمية في ذهن المخاطب تولد في نفسه من أجناس الإرادات ما يلائمها صحة أو فسادا، فذلك التأويل الباطن لخبر الرسالة، وتولد على لسانه وفي أركانه من أجناس الأقوال والأفعال ما يلائمها، أيضا، صحة أو فسادا فذلك التأويل الظاهر لخبر الرسالة، فخبر الرسالة يقتضي بداهة شريعة يحصل بامتثالها البرهان العملي والتصديق الحكمي لما قام في النفس من تصور علمي لمعنى التوحيد معدن الرسالات، فبه رد الأمر كله: عقائد وشرائع وسياسات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير