تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الكوثر]

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 06 - 2010, 12:21 م]ـ

ومن قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر:

ففيه امتنان بعطاء الربوبية، وهو الخير الكثير، أو نهر في الجنة، ولا إشكال في الجمع بينهما إذ لا تعارض بينهما، فالكوثر في الجنة فرد من أفراد عموم الخير الذي أعطاه الله، عز وجل، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه.

وإليه أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: "أيِ الخيرُ المفرطُ الكثيرُ من شرفِ النبوةِ الجامعةِ لخيريِّ الدارينِ والرياسةِ العامةِ المستتبعةِ لسعادةِ الدُّنيا والدين، فوعلٌ منَ الكثرةِ وقيلَ: هُوَ نهرٌ في الجنةِ وعنِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنه قرأهَا فقالَ: «أتدرونَ ما الكوثَرُ؟ إنَّه نهرٌ في الجنةِ وَعَدنيهِ ربِّي فيهِ خيرٌ كثيرٌ» ". اهـ

ونسب العطاء إليه، جل وعلا، وهو مظنة التكريم، بصيغة التعظيم "نا" تفخيما لشأن المعطى فمكانته من مكانة المعطي عز وجل، وكذلك الشأن في التوكيد بالناسخ، الذي اتصل به ضمير الفاعلين، فذلك، أيضا، مئنة من التعظيم، وتصدير الكلام بهذه العطية ينزل منزلة التقدمة بالعلة تمهيدا إلى المعلول، فعطاء الربوبية مظنة أداء واجب الألوهية، فعطاء الرب، جل وعلا، ذريعة إلى الصلاة التي صدرت بالفاء، فهي تفريع عن العطاء، فذلك من التلازم الوثيق بين المتلازمين: الربوبية والألوهية، فجاء الأمر الإلهي عقيب العطاء الرباني، فـ: صل لربك وانحر: فهو، كما تقدم، لازم عطاء الربوبية من حق الألوهية، وذكر الصلاة والنحر، أيضا، من باب: ذكر بعض أفراد العام تمثيلا لا حصرا، فإن النص على هاتين العبادتين بعينهما لا يعني عدم وجوب ما سواهما، فلا مفهوم للأمر هنا، فالمسكوت عنه يؤخذ دليل وجوبه أو ندبه أو ............. إلخ من غير هذا النص، لأنه لا مفهوم له.

وخصا بالذكر تمثيلا، لأن الصلاة: أعظم العبادات البدنية، والنحر من أعظم العبادات المالية، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.

والأصل في الأمر الوجوب، فهو حقيقة فيه مجاز في غيره، عند من يقول بالمجاز، فينصرف بالقرينة إلى الندب أو الإباحة ..... إلخ، كما قرر أهل البلاغة والأصول، فالصلاة والنحر عبادتان، فهما مظنة الوجوب، ولا يمنع ذلك وقوع أنواع منهما على جهة الندب، فمن الصلاة: واجب من صلوات مفروضة فهي واجبة لذاتها، وصلوات منذورة فهي واجبة لغيرها، وكسوف ووتر وعيد، على خلاف في وجوبها، ومنها ما تأكدت سنيته، كالكسوف والعيدين، على قول بعض أهل العلم، ومنها ما هو سنة راتبة، ومنها ما هو نفل مطلق .... إلخ، فانقسم الجنس الأعلى وهو الصلاة إلى أنواع متعددة، فذلك يصلح شاهدا لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فالأمر هنا يعم الواجب والمندوب فذلك من تمام شكر الرب، جل وعلا، على الخير الذي أوتيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو خير قد اختص به باعتبار المواجهة، وعم نفعه أمته، فذلك من عظم بركته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد أوتي عطاء النبوة، وهو أعظم عطاء يؤتاه بشر، بل أعطي أعظم نبوة: النبوة الخاتمة، فنبوته أعظم النبوات بركة ونفعا، وليس ذلك انتقاصا من قدر بقية النبوات، فإن التنويه بشأن الفاضل لا يلزم منه انتقاص المفضول، فقد اشترك الأنبياء عليهم السلام في درجة النبوة، وتفاضلوا في قدر فارق فأعطي بعضهم من الدرجات ما لم يعط بعض، فأولوا العزم أشرفهم، ومحمد والخليل صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم أفضلهم، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخرهم وخيرهم، فهو خير الأنبياء وخير البرية، من باب أولى، فكل خير أعطيته هذه الأمة فهو من بركة النبوة، فهي أعظم منة ربانية على النوع الإنساني، فكوثر الوحي كوثر عام لم يستثن منه حتى منكروه، فـ: (َمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فطالما بقي أثر للنبوة في أرض، ولو دارسا، فهي محفوظة، فلا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله، وكذلك الشأن في النحر فمنه الواجب كهدي المتمتع والقارن، وهدي الجبران، والهدي المنذور، والأضحية على قول الحنفية، رحمهم الله، ومنه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير