تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حديث: "إن الله يبسط يده"]

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 08 - 2010, 03:26 م]ـ

ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها:

فذلك من التوكيد في معرض الترغيب في التوبة، فبابها مفتوح ما لم يغرغر العبد، فهذا الإغلاق الخاص، أو تطلع الشمس من مغربها، فهذا الإغلاق العام، وحال العاصي يأسا وقنوطا يحسن معها التوكيد على تحقق المغفرة والعفو إن بذل سببها، فمن تاب: تاب الله عليه، ومن عاد قبله الرب، جل وعلا، فهو الكريم الذي لا يرد سائلا، فجاء التوكيد بالمؤكد الناسخ، فلا يستعمل، كما يقول بعض المحققين إلا إن كان المخاطب منكرا، أو في حكم المنكر، بلسان حاله، فينزل منزلة المنكر، كما قد قرر البلاغيون في أغراض التوكيد، فالشيطان يتسلط بوساوس الجزع والقنوط على العاصي ما لا يتسلط على غيره، فحسن التوكيد رفعا لهذه الوساوس، فلسان حال صاحبها إنكار مغفرة الرب، جل وعلا، فذلك من عظم جهله وسوء ظنه بربه، جل وعلا، فقد جهل قدره قبل المعصية، فلو علم جلاله ما عصاه، وبعد المعصية، فلو علم جماله ما قنط من رحمته وأعرض عن توبته، فالرب، جل وعلا، الجليل بشديد عقابه وأليم عذابه، الجميل بسعة مغفرته وعظم رحمته، فله الكمال المطلق جلالا وجمالا، ومن علم ذلك أحسن السير إليه، فإن أحدث طاعة فمن فضل الرب، جل وعلا، فهي ذريعة إلى الشكر فما سدد إليها ويسرت أسبابها له إلا نعمة ربانية، وإن أحدث معصية فمن عدل الرب، جل وعلا، فهي ذريعة إلى الحمد، فلا يحمد على مكروه سواه، فقد اطلع بعلمه الأزلي المحيط على مادة فساد في القلب فيسر لصاحبها ما يلائمها من أسباب المعصية نقمة منه، جل وعلا، فالعبد ما بين نعمة الطاعة وما تستلزمه من الشكر والمداومة، ونقمة المعصية وما تستلزمه من الحمد والتوبة ندما وإقلاعا وعزما على الكف. فهو لا ينفك عن ابتلاء بالطاعة تارة، وبالمعصية أخرى، ولكل فقهه، ولكلٍ تعلق بصفات الرب، جل وعلا، فالطاعة من رضا الرب، جل وعلا، فذلك مما يتذرع به إلى معافاته، والمعصية من سخط الرب، عز وجل، فذلك مما يتذرع به إلى عقوبته، فـ: (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ).

والشاهد أن التوكيد قد تعددت صوره في هذا السياق رفعا لاحتمال القنوط واليأس الذي يعتري عامة العصاة، فجاء التوكيد بالناسخ، كما تقدم، وباسمية الجملة التي صدرت بالاسم الكريم: الله، فتلك إشارة إلى انفراده، جل وعلا، بالتأله بعبودية التوبة فلا يتوب على العصاة إلا هو، ولا يغفر الذنوب إلا هو، فـ: (مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)، فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، فتأويله النفي، فلا يغفر الذنوب إلا الله، وذلك من القصر بأقوى أساليبه، نفيا واستثناء، إمعانا في بيان اختصاصه، جل وعلا، بذلك المنصب الرباني الذي لا ينازعه فيه أحد من بشر أو ملك ..... إلخ، فليس في دين التوحيد وسائط بشرية أو روحانية يتذرع بها العصاة إلى الرب، جل وعلا، فتلك شفاعة تجوز في حق ملوك الأرض الذين يخفى عليهم من أحوال رعيتهم ما يخفى، فترفع إليهم الحاجات بواسطة الشفعاء والحجاب، فمن أراد قضاء حاجته فليتشفع بوسيط يرفعها، وبليغ يعرضها، يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان القدر الفارق بين الملك، جل وعلا، وملوك الدنيا:

"وَالْعَجَبُ مِنْ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ يَسْتَوْصِي مَنْ هُوَ مَيِّتٌ يَسْتَغِيثُ بِهِ وَلَا يَسْتَغِيثُ بِالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَيَقْوَى الْوَهْمُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْلَا اسْتِغَاثَتُهُ بِالشَّيْخِ الْمَيِّتِ لَمَا قُضِيَتْ حَاجَتُهُ. فَهَذَا حَرَامٌ فِعْلُهُ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير