تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 09 - 2010, 01:38 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ):

فأقم وجهك، على حد الإيجاب الملزم، فذلك أول واجب على العبيد، كما تقدم في أكثر من موضع، والإقامة مظنة التوجه ابتداء ثم الثبوت دواما، فذلك من جنس الفرقان بين أداء الصلاة وإقامتها، فأداؤها تسقط به الفريضة، وإقامتها تحصل بها الفضيلة، والخطاب، كما تقدم مرارا، يتوجه ابتداء إلى صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، فبذلك أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك أمرت أمته من بعده، فالخطاب يتوجه إليها بعده لعموم التكليف بأصول الدين وفروعه، فأمة الدعوة مؤمنها وكافرها له تبع، إلا في أحكام تخصه، فالتأسي يكون في الشرع العام لا في الشرع الخاص به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "لَا تُوَاصِلُوا قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنَّ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي"، أو في الجبلة التكوينية فلا تتعلق بها أحكام شرعية فليست مناطا لثواب أو عقاب، وإنما يثاب المرء إذا استن به صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أموره الجبلية وعاداته الدنيوية من مأكل ومشرب ..... إلخ، يثاب من جهة التأسي العام فذلك مئنة من وقور محبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القلب، فمن أحب أحدا قلده في هيئته ومشيته وكلامه، بل صارت حركاته عين حركات مقلَّدِه، وذلك أمر ظاهر في زماننا، فكثير من المقلدين يقلدون شموسا بل نجوما في الضلال، فيصير التابع نسخة من المتبوع، فقد رضي لنفسه خطة خسف، فمحا ذاته التي اتحدت بذات مقلَّده، وإن لم يحصل اتحاد بالأبدان، فاتحاد العقول سيادة لعقل وتنح وذوبان لآخر يضمحل فيه عقل المقلد فيصير تابعا خاضعا لسيده الذي استرق عقله وإن لم يسترق بدنه، فلا يرى إلا ما يراه مقلَّده، فلسان حال الآخر: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، وقد رضي المقلدون بذلك السبيل: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ)، فوقع العذاب عليهم أجمعين فالراضي المبايع، ولو بلسان الحال، كالفاعل فهم في وزر العقوبة الشرعية سواء، بل العقوبة الكونية تعم الصالح والطالح فـ: "فِيهِمْ الْمُسْتَنْصِرُ وَالْمَجْنُونُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَيَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِيَّاتِهِمْ"، فالزعيم أو الرئيس برسم الديانة أو السياسة، وتقليده أشد فتكا من تقليد الفساق، فغالبا ما يزول بعد نضج العقل، وإن ترك آثارا غائرة في عقل وسلوك المقلد، بخلاف تقليد المتصدر برسم: الإمامة الدينية لملة كهنوتية أو مقالة ردية، أو الإمامة السياسية لدولة الظلم والجور التي درست فيها آثار النبوة إلا قليلا، فذلك تقليد لا تزيده الأيام إلا رسوخا فالتابع برسم الدين يظن الخضوع لسلطان الكهنوت طريقا إلى الخلاص!، فيبذل من آدميته ما يبذل لينال تلك الرتبة التي لا تنال إلا برضا كهنة الشر فالأسرار الدينية لا تنال إلا من مشكاتهم، وليس للتابع أن يعترض، فتلك أسرار لا تخضع للمناقشة، بل الإيمان كل الإيمان أن ينحط الإنسان إلى دركة البهائم فيصدق جملة من المحالات العقلية! التي تنقض نواميس الشرع والكون فذلك مئنة من رسوخ إيمانه!، وهل قامت ملة باطلة إلا إن كانت باطنة، وهل تصح مقالة دينية إن كانت سرية لا يعلم حقيقتها، إن كان لها حقيقة فهي محض أوهام، لا يعلم حقيقتها إلا كهنتها!، وذلك فرقان بين دين الأنبياء عليهم السلام، فذلك الدين القيم،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير