تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من حديث: إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِىٌّ كَرِيمٌ ........

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 08 - 2010, 05:43 م]ـ

ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا":

فقدم التوكيد بالناسخ استرعاء لانتباه المخاطب، وقدم المسند إليه: "ربكم"، على ما اطرد مرارا من التشويق إلى المسند: محط الفائدة، فهو الوصف الذي تحصل بنسبته إلى الموصوف الفائدة، وجاء المسند إليه مضافا إلى ضمير المخاطبين: "ربكم"، فذلك آكد في بيان عظم الوصف الرباني في مقام الثناء عليه، تبارك وتعالى، بوصف الجمال، ولذلك حسن الإتيان باسم الرب، فهو مظنة عطاء الرب الذي يربي عباده بعطاياه الشرعية والكونية التي لا تنقطع، فيربي أرواحهم بالوحي، فهو من جملة كلماته الشرعيات: خبرية كانت أو حكمية، فيحصل بتصديق خبرها وامتثال حكمها: صلاح الدين، وإذا صلح الدين صلحت الدنيا لزوما، فالوحي مادة صلاح العالم فبتصديق خبره تحصل البركة، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فنكرت البركات تعظيما، واستوفى السياق: شطري القسمة العقلية: (مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فذلك من قبيل استيفائهما في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)، فجهات الخير من فوقهم فتهبط البركات من السماء، ومن تحتهم فتنبت الأرض بالزرع والثمر، وبامتثال أمره تنصلح حال المكلفين، في أنفسهم ففي الوحي جملة من العبوديات الباطنة والظاهرة تطمئن بها النفوس، فإذا صلح الباطن بعبوديات من قبيل التوكل والمحبة ....... إلخ، صلح الظاهر لزوما بعبوديات الأركان من صلاة وزكاة وحج ..... إلخ، وفي غيرهم، فـ: "إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، فنفع الشرع لازم ومتعد، فذلك من آثار رحمة ربك الشرعية فبها تستصلح القلوب، وهو، أيضا، الرب الذي يربي أبدانهم بالرزق الكوني، فذلك من آثار كلماته الكونية النافذة، التي خلق بها الأبدان، وأودع فيها قوى الانتفاع بالأرزاق، وأمدها بغذاء صالح، لم يفسد إلا بعبث البشر به، فما ظهرت الأمراض الخبيثة في زماننا إلا بتخريب الأقوات بالعبث في تركيبها الجيني باسم المعالجة الوراثية، فعبثت الأيدي بدقائق ركبها، جل وعلا، على وجه يحصل به تمام النمو وتمام الانتفاع بالزرع والثمر، فتركيبها على هذا الوجه من الدقة والإتقان مئنة من ربوبية الإيحاد: قدرة على التنويع في الخلق على هذا الوجه البديع، فلكل كائن نباتي أو حيواني محتوى وراثي يميزه عن بقية الكائنات، وحكمة بإعطاء كل كائن ما يلائمه من التركيب الوراثي، فـ: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، وربوبية العناية فتنوع المآكل نباتية كانت أو حيوانية، مع ما لكل منها من أثر نافع في نمو الأبدان وتقويتها وحفظها من الآفات من أظهر آثار رحمات ربك الكونية، فانظر إلى آثار رحمته الشرعية أن أرسل الرسل عليهم السلام، فتلك أعظم نعمه، جل وعلا، على خلقه، فبها ينصلح حال الآخرة، محط الرحال الأبدي، فإذا فسدت الأرواح بمادة كفر أو بدعة، عظم الخطر وفحش، بخلاف ما إذا فسدت الأبدان بمرض أو وجع فغاية ذلك فوات الدار الراحلة مهما استبقاها أهلها بجمع ومنع، وإن كان ذلك، أيضا، مطلوب الدفع أو الرفع إذا وقع، فليس ثم عقل حاضر وذهن صاف يباشر معاني الديانة تصديقا لأخبارها وتأويلا لأحكامها في أرض الواقع، ليس ثم ذلك إلا في بدن سليم من الأوجاع والأدواء، برئ من الجوع والعطش، آمن على قوته، فـ: "من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فقد اجتمعت عنده الدنيا بحذافيرها"، فكل تلك الأعراض، مظنة الذهول عن معاني الديانة فلا يحسن يصلي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير