تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 04 - 2010, 07:38 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ):

فذلك مشهد آت، فجاء الشرط: "إذا" بيانا لظرف الفعل الكائن في المستقبل، فإذا رأى الذين أشركوا، على جهة التعريف بالموصول مئنة من الوصف الذي علق عليه الحكم، فذلك زيادة في تسجيل الجناية عليهم كما في قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ)،، فتكرار الشرط: "وَإِذَا رَأَى" مئنة من توكيد الجناية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ووقع التنويع في الوصف: "الَّذِينَ ظلموا"، و: "الَّذِينَ أَشْرَكُوا"، فذلك آكد في بيان عظم جرمهم، وقد يحمل ذلك على التكرار توكيدا، إذ الشرك جنس من أجناس الظلم، بل هو أعظم الظلم كما في وصية لقمان، عليه السلام، لابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فإما أن يكون الظلم والكفر مترادفان في المعنى فيحمل الظلم على الظلم الأكبر وهو الشرك فيكون التنويع لفظيا، وإما أن يكون ذلك من قبيل الوصف الخاص بالشرك بعد الوصف العام بالظلم، فالشرك، كما تقدم، جنس من أجناس الظلم، بل هو أعظم أجناسه فحشا، فيكون ذلك من قبيل ذكر الخاص بعد العام توكيدا، فلا يكون الترادف حاصلا من كل وجه، بل قد حصل في المعنى الكلي، وانفرد الظلم بأجناس ليس الكفر منها فهو أوسع دلالة منه، بخلاف الوجه الأول الذي حمل فيه الظلم ابتداء على الشرك فحصل الترادف المعنوي من كل وجه وصار الأمر، كما تقدم، محض: تنويع لفظي، والخطب يسير إذ على كلا الوجهين يقع التوكيد المراد لتسجيل الجناية إمعانا في النكاية.

وجاء وصف المعبودات بالشركاء جناسا اشتقاقيا، يزيد المعنى تقريرا، فمادة الشرك هي الوصف المؤثر، فبراءة الشركاء من المشركين آكد في النكاية، فإذا رأوهم، على سبيل الشرط الذي لا يخلو من معنى المفاجأة، فإذا رأوهم قالوا: ربنا، فذلك من الإقرار بعد فوات وقته المقدر له شرعا، فقد انقضت دار الابتلاء، ولا ينفع القضاء في الإيمان الذي لا يكون إلا أداء في موعده فـ: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ). فالربوبية هنا: ربوبية عامة، ربوبية: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، فليست ربوبية خاصة من قبيل: (رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فالأولى: مظنة نفاذ المشيئة، والثانية: مظنة العناية، وذلك معنى لا يتصور في حق المشركين، لا سيما في دار الجزاء، فقد شملتهم العناية الكونية العامة في دار الابتلاء فأجرى عليهم الرب، جل وعلا، أسباب الحياة الحيوانية التي تشترك فيها كل الكائنات الحية المتحركة الحساسة، فذلك من فضله، جل وعلا، وحجب عنهم أسباب الحياة الروحية: حياة الوحي، فهو روح تحيي نفس صاحبها، فلا تقوم إلا بها، كما لا تقوم الأبدان إلا بالأرواح التي تحل في كل أجزائها، فكذلك روح الوحي المحيي للنفوس من مراقد الغفلة، روح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، فإذا رأوهم قالوا على جهة القصر بتعريف الجزأين: هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا، فذلك آكد في تسجيل الجناية، فقد أجرى الرب، جل وعلا، الحجة على لسانهم، فأنطقهم الله، عز وجل، بجرمهم، فذلك، كما تقدم، آكد في تسجيله عليهم، فلا عذر لهم لانقطاع حجتهم، ويحتمل وجها آخر، أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل التنصل بإلقاء التبعة على الشركاء، وتلك حجة داحضة، فلم يكن لشيطان أو شريك عليهم سلطان، وإنما ألقى إليهم الشيطان هاتف سوء صادف محلا قابلا في نفوسهم، فنوازعها نوازع سوء، أيضا، فتتحرك إلى الشر اختيارا، وإن لم تخرج إراداتها عن مشيئة الرب، جل وعلا، العامة، فهي نافذة في كل الأعيان والأحوال، فلا توجد عين من العدم، ولا يصدر حال خير أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير