تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حديث: "لا تطروني ..... "]

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 10 - 2010, 03:01 ص]ـ

من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا عبد الله ورسوله":

فقد تسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم المستغرق لجنس الإطراء بالكذب، فإن وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه يعلم الغيب المطلق، أو بأنه قد خلق من نور الله، جل وعلا، أو بأنه ذو الجاه الذي يتوسل به إلى الرب، جل وعلا، وجاهه كبير، فذلك من الثابت للأنبياء عليهم السلام، بداهة، فكيف بخاتمهم؟!، ولكنه لا يجيز التوسل بجاههم أو جاهه إلى الرب، جل وعلا، فذلك من القياس الفاسد بحمل ملك الملوك، جل وعلا، في سلطانه المطلق، على ملوك البشر، فذلك قياس مع الفارق، فالرب، جل وعلا، لا يخشى أحدا، بداهة، بل كل الخلق يخشونه، وحال الملائكة معه أنه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ): فجاءت المضارعة مئنة من تجدد الوصف فعلمه محيط بالملائكة، والإحاطة مظنة القهر، فهم تحت حكمه النافذ مقهورون، فما دونهم مقهور من باب أولى، فقهره، جل وعلا، برسم الإرادة النافذة والعدالة الكاملة، فليس كقهر ملوك البشر فليس فيه إلا القدرة التي يقع بها التعدي على الحقوق لغياب الحكمة فقد توجد قوة عند بعض ملوك البشر ولو محدودة ولكنه يتسلط ويتجبر بها فينال بأذاه من تحت سلطانه لغياب العدل والحكمة وذلك أمر يظهر في أعصار يفشو فيها الجور بتغييب الشرع وتخفت أضواء الرسالة فلا تضيء سماء الكون فقهر البشر لبعضهم يخلو غالبا من وصف الحكمة والعدل إلا إن كان بسيف الوحي العادل قرين التنزيل الهادي فما عداه فهو من قهر الظالم للمظلوم، فعنده قدرة، وليتها كانت كاملة!، وليس له حكمة تعقله، فأين ذلك من قهر الملك، جل وعلا، لعباده برسم القدرة الكاملة والحكمة البالغة، فذلك من كمال وصفه جلالا وجمالا، فقدرته مئنة من جلاله، وحكمته مئنة من جماله، واستوفت الإحاطة العلمية الكاملة طرفي الماضي والمستقبل، فيعلم ما بين أيديهم من حاضر ومستقبل وما خلفهم من ماض لا يعلمه على جهة الإحاطة الكاملة، مع وقوعه وصيرورته شهادة، لا يعلمه إلا الرب، جل وعلا، فهو العليم بالكليات والجزئيات، بالجلائل والدقائق، فعلمه قد أحاط بالكائنات قدرا ووصفا، فـ: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) فتلك من صور الاصطفاء والتكريم للنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحصل بذلك القصص تسلية له عما يلاقيه من قومه وتأييد له بعلم ما علمه الرب جل وعلا من الغيب بلا سابق عهد بقراءة أو درس فهو النبي الأمي الذي نزه عن الجلوس لمعلم بشري فلم يعلمه إلا الرب العلي، جل وعلا، برسم: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) فتلك منة ربانية فهي من أظهر صور العناية بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقابلها ضرورة: تكليف شرعي فـ: (اصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) على جهة الإيجاب والإرشاد له ولمن بعده من أمته ممن سار على دربه فالخطاب عام في معناه وإن اختص صلى الله عليه عليه وعلى آله وسلم بلفظه وقد ذيل بعلته إمعانا في تقريره وتيسيرا على النفوس لتقبله فتذييل الحكم بعلته يزيده قبولا في العقل فتطمئن النفس به، فـ: (اصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، فالعاقبة الكاملة فـ: "أل" فيها جنسية استغراقية لمعاني الظفر آخر الأمر، وذلك من استغراق المعاني وهو استغراق مجازي فالأصل في استغراق "أل": استغراق الأعيان، ولكنه يحسن في مقام نقرير المعنى على جهة الكمال، فالعاقبة الكاملة لمن قام به وصف التقوى فذلك مما اختص به لدلالة اللام على معنى الاختصاص، فهو علة الحكم فالعاقبة للمتقي وحده وإن طال زمن ابتلائه، وذلك مما يهون على النفس تجرع مرارة الصبر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير