تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 04:10 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا):

فذلك من أوصاف عباد الرحمن، وهو جار على ما تقدمه من التعريف بالموصولية إثباتا في نحو قوله تعالى: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، ونفيا في نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)، وسياق الآيات قد قدم فيه الإثبات في نحو قوله تعالى: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) فهو مراد لذاته فالتحلي بالمحامد مطلب رئيس للوحي، على النفي في نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، فهو مراد لغيره فليس المراد انتفاء الوصف المذموم تخلية للمحل، فلن يبقى المحل شاغرا بل لا بد من عمارته بالمحامد الشرعية وإلا رجعت إليه المذمومات فالقلب وعاء يغلي بما يصب فيه من أشربة الخير أو الشر، وليس من طبيعته أن يظل فارغا فذلك خلاف ما جبل عليه فهو أبدا متحرك حساس حتى يسكن البدن بمفارقته الروح فينقطع التكليف بالإرادات الباطنة وما يصدر عنها ضرورة من الأقوال والأفعال الظاهرة.

وتسلط النفي على المضارع مئنة من العموم المتصل في الحال والمستقبل فتلك ملكة راسخة فيهم فليس أمرا عابرا، أو حالا طارئة، فيجري مجرى الوصف في نحو قول الشاعر:

ولقد أمر على اللئيم يسبني ******* فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

فحملها على الوصفية أبلغ في المدح من حملها على الحالية فتكون: "أل" في "اللئيم": جنسية لبيان الماهية وهي إلى التنكير أقرب، فليس المراد منها تعريف لئيم بعينه، وإنما المراد بيان ماهية صاحب هذا الوصف، أيا كانت عينه، فكذلك الشأن في المضارعة التي تدل على دوام الاتصاف إثباتا أو نفيا.

فـ: لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ:

ففعل الشهادة يأتي في لغة العرب بمعنى الحضور فلا يحضرون الزور،

فـ: "أل" في "الزور": جنسية لا تخلو من معنى الماهية والاستغراق، فجنس الزور هو الباطل، وهو معنى عام يشمل صورا كثيرة من الأقوال والأفعال، فمنه الزور القولي، كشهادة الباطل، وهي أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الشأن، وقد ورد التصريح بنسبته إلى القول صراحة في نصوص أخر من قبيل قوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث الكبائر: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ"، فنبه على خطره بالاستفتاح التنبيهي والتكرار اللفظي، فيكون ذلك من تفسير مجمل الزور بفرد من أفراده هو القول، وقول الزور، أيضا، عام تندرج تحته صور كثيرة، فتكون هذه الصورة من صور التدرج في العموم، فمن عام إلى خاص قولي، هو في نفسه عام يشمل ما لا يحصى من صور القول الباطل، فالزور كما قال صاحب "اللسان" رحمه الله: "الكذب والباطل وقيل شهادة الباطل"، فعطف الباطل على الكذب في كلام صاحب "اللسان"، رحمه الله، قد يجري مجرى التذييل بالعموم عقيب الخصوص، فالكذب خاص والباطل عام يشمل بعمومه الكذب وغيره، فمن الزور القولي: الكذب، كما تقدم، وشهادة الزور التي ينصرف إليها الذهن ابتداء عند سماع لفظ "الزور"، فيضمن معنى الفعل "يشهدون" معنى الإخبار، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فيكون ذلك من قبيل النصب على نزع الخافض ففعل الإخبار يتعدى بالباء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير