تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ....... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 07:36 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ):

فالمجاهدة مئنة من المفاعلة، كما اطرد في كلام الصرفيين، في مبحث معاني حروف الزيادة، فلا تكون مجاهدة إلا بين اثنين: مجاهِد، و: مجاهَد، فالأول: فاعل، والثاني: مفعول، ففي ذلك الأمر، والأصل فيه الإيجاب، الذي يخوض فيه المرء جهادا خاصا، طرفه الآخر: نفسه بنوازعها، وشيطانه بهواتفه، وجهاد عاما دفعا أو طلبا للصائل على الديانة، إما بشن الغارة عليها: بشبهة ترد بسيف الحجة، أو شهوة ترد بسيف العفة، أو جند يرد بسيف القتال فذلك الحديد الناصر الذي علاه الصدى في زماننا!، وإما بمنع نفاذها إلى قلوب العباد لتباشر مكامن الفطرة التوحيدية فيها، فتسيل أودية القلوب بغيث النبوات، فيذهب زبد المقالات الباطلة والاعتقادات الفاسدة جفاء، ويمكث ما ينفع الناس في الأرض، فمنه بذر نافع، يخرج منه شجر أصله ثابت وفرعه في السماء، فذلك شجر التوحيد فـ: لا إله إلا الله تؤتي أكلها كل حين إرادات باطنة في القلب وأقوالا تجري على اللسان، وأعمالا تعمر الجوارح، فبركتها قد عمت الباطن والظاهر، وإنما تسل سيوف الحق لئلا تحرم الأمم من تلك الثمار النافعة التي يحول بينهم وبينها أصحاب الرياسات الباطلة والوجاهات الزائفة التي تذهبها النبوات، فهي الماحية لكل جور، برد الملك الكوني والأمر الشرعي إلى الرب العلي، جل وعلا، وحده، فلا خالق ولا رازق ولا مدبر فتلك مقدمة أولى ينتج منها: لا إله معبود بحق بالعقائد والشرائع، بالسياسات والأخلاق، إلا هو، فلا يحتكم إلا إلى وحيه، ولا تطمئن النفس إلا بذكره، جل وعلا، أفلا يستحق ذلك أن يجاهد المرء نفسه وغيره فيه حق الجهاد؟!.

فـ: "فِي اللَّهِ" مئنة من السببية، فلا أشرف من جهاد يكون مبعثه، إعلاء كلمة الله، عز وجل، فـ: "الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فيؤول المعنى إلى: وجاهدوا في سبيل الله، بتقدير المحذوف الذي دلت عليه مواضع أخر، أو: وجاهدوا لأجل إعلاء كلمة الله، عز وجل، ثم جاء التقييد لبيان نوع الجهاد المأمور فذلك من البيان لعموم الفعل المعنوي، فمعنى الجهاد عام باعتبار أنواعه، فمنه: جهاد القرآن: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، ومنه جهاد السيف المنسوءة أحكامه، فلكل زمن فقهه، فيحسن الكف تارة، ويحسن الإذن أخرى، ويحسن الدفع ثالثة، ويحسن الطلب رابعة، ومعرفة واجب الوقت في أمور الديانة مئنة من السداد الذي لا يكون إلا بإخلاص النية وطلب العلم المصحح للتصورات والأعمال. وهو يتفاوت أيضا باعتبار أقداره، فجاء القيد بأكملها: حَقَّ جِهَادِهِ، فذلك من المصدر المبين لنوع عامله، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وتقديره: جهاده الحق، فقوله: حق جهاده: من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، فأضيف الجهاد إلى الله، عز وجل، لجواز الإضافة لأدنى ملابسة، فكونه لأجله، سبحانه وتعالى، مما يسوغ إضافته إليه، ثم جاء الاستئناف على جهة الفصل، فهو بمنزلة العلة لما تقدمه فحسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها، فذكر الرب، جل وعلا، جملة من نعمه عليهم على سبيل التمثيل لا الحصر، فذلك مما لا يطيقه البشر، فـ: (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، فأضيفت النعمة إلى الرب، جل وعلا، إضافة مخلوق إلى خالقه، فذلك من التشريف فشرف النعمة من شرف واهبها، جل وعلا، وأضيفت إلى المعرفة مئنة من العموم فهي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير