تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 09:07 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)

ففيه توكيد لعموم المعمول الذي وقع عليه الحدث: "ربا" بورود النكرة في سياق نفي حال دخول: من الناصة على العموم عليها، فذلك عموم بعد عموم، يرفع احتمال المجاز، إذ التوكيد بمصدر أو نحوه بنزلة القرينة التي ترفع العام من رتبة الظني المحتمل إلى رتبة القطعي غير المحتمل، فضلا عن دلالة النفي في صدر الآية، فإن تسلطه على المصدر الكامن في الفعل: "آتيتم": عموم آخر تعلق بالعامل، فالعموم عارض للعامل ومعموله، وذلك آكد في ذم الربا، وإن لم يرد تحريمه صراحة، فالسياق: خبري المبنى إنشائي المعنى، وإن لم يرد التحريم تصريحا فقد ورد تلويحا بالنص على عدم جدوى الفعل، وذلك مئنة من ذمه، إذ العاقل لا تتشوف نفسه إلى ما لا نفع فيه من الأعيان أو الأفعال وطباق السلب آكد في انتفاء الزيادة: محط المصلحة المتوهمة، من باب: من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه، فمن تعجل الغنى بمباشرة أسباب الحرام تكثيرا لعين المال فإنه يعاقب بالحرمان فتمحق بركته، وتكون عاقبته القل كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: "الربا إن كثر، فإن عاقبته تصير إلى قل"، وهذا أصل جليل من أصول التشريع الإسلامي، وهو التدرج في التحريم، فلم يرد النهي عن الخصال والمعاملات المحرمة دفعة واحدة فإن كثيرا من النفوس تجد في ذلك حرجا غير معتاد، والحرج مرفوع شرعا، فورد التحريم متدرجا لتقلع النفوس عن العادات القبيحة شيئا فشيئا، فيرد التعريض بالذم، أو الذم دون تطرق إلى الحكم، ومن ثم يأتي تقرير الحكم بعد أن تهيأت النفس لقبوله بما ورد عليها من مقدمات ممهدة.

والأصل حمل ألفاظ التنزيل على حقائقها الشرعية، فضلا عن جريان عرف المخاطبين على ذلك، فكان ربا النسيئة فاشيا فيهم، فجاء النص تعريضا بذلك العرف الفاسد تمهيدا لرفعه بخطاب لاحق، إذ كان تعاملهم به من باب المباح العقلي لا المباح الشرعي فإن الربا لم يحل في أي شرع، فحده: حد الخمر والخنزير، فيكون رفعه: رفعا لمباح عقلي جرى العرف عليه، لا نسخا، إذ النسخ لا يرد إلا على الحقائق الشرعية، ولم يكن لحل الربا حقيقة شرعية لتنسخ أصلا.

والجناس بين: "ربا" و: "يربو": مشعر بعلية فعلهم فضلا عن دلالة اللام نصا على ذلك، فهي تعليلية دخلت على المصدر المؤول من: "أن" المحذوفة ومدخولها، فما آتيتم من ربا للربا في أموال الناس، والظرفية مشعرة بنوع تشبيه، إذ نزل أموال الناس بمنزلة الأرض التي يبذر فيها المال آحادا ليحصد عشرات ومئين، وذلك لا يكون إلا من رب العالمين على حد: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فعدل بهم الشيطان إلى التجاة المحرمة في أعيان أموالهم ببيعها نسيئة، والمال لا يلد مالا، كما يقول أهل العلم، فنتاجه الربح المباح فرعا عن العمل، لا الزيادة المحرمة فرعا عن بيعه لمن يشتريه بثمن أكبر!، على طريقة من يدفع أكثر؟!.

والربط بالفاء في: فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ: مئنة من خسران الصفقة بمعايير الشرع الحاكم، فلا يكون منها ربح إلا على وجه الزيادة الظاهرة استدراجا للمرابي بمقتضى السنة الكونية، فمن وافق السنة الشرعية فقد تعرض لتأييد السنة الكونية، فإن خذل فعلى حد: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)، فشدة إلى زوال، وعاقبة خير لا انقطاع له، والحرب ساعة: من صبر فيها فله الظهور أبدا في الأولى والآخرة، ومن خالف السنة الشرعية فجزع وركن إلى السلم مع علو يده وظهور أمره، فقد اشترى لذة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير