تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 11 - 2010, 03:59 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ):

فذلك من الذم العام لكل علماء السوء الذين يكتمون الحق أو يحرفونه، لفظا بتبديل مبانيه بل إعجامه ونقطه، بل حركاته وشكله، أو معنى بحمله على وجوه من التأويل بعيدة، فخلف من بعد بني إسرائيل خلف منهم، فـ: "خَلْف" نكرة في سياق الإثبات، فتفيد الإطلاق، فذلك مما يعم كل علماء السوء، كما تقدم، وإن قيد الخلف بقيد بني إسرائيل لقرينة السياق، فالآية قد جاءت في معرض حكاية جملة من أخبارهم، وما أجرى الرب، جل وعلا، عليهم من العقوبات الكونية، فذكر الرب، جل وعلا، قصة أصحاب السبت وما حاق بهم من العذاب، وذلك دليل من دلائل النبوة، فهي مما استأثر أهل الكتاب الأول بعلمه، فلم تكن العرب تعلمه لخمول ذكر النبوات فيهم إلا آثار إبراهيمية دارسة قد صارت بمنزلة الطقوس الدينية التي يمارسها أصحابها برسم التقليد، كما هي حال كثير من الديانات السماوية التي طرأ عليها التبديل أو اندرست معالمها فاستبدل الذي هو أدنى من مقالات التشريك من تثليث وبنوة باطلة لخلق حادث ناقص نسبت إلى الرب الأول الكامل، جل وعلا، ونعت لمن له كمال الذات والصفات بصفات الحوادث من نصب ولغوب وفقر بعطش وجوع وعارض نقص من سنة ونوم وإحاطة كون، فالكون يحيط بالخلق الحادث ولا يحيط بالخالق الحكيم العليم، جل وعلا، بل: (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)، فهي من صفات الربوبية فناسب ذلك مجيء اسم الرب جل وعلا فأحاط بالناس عموما لدلالة "أل" الجنسية الاستغراقية لعموم ما دخلت عليه، فله الإحاطة بذواتهم بلا حلول أو اتحاد بها بل وسع كرسيه السماوات والأرض فهو العلي بذاته ووصفه، وله الإحاطة العلمية الزمانية فهو الأول ذاتا ووصفا، وهو الأول تقديرا لمقادير السماوات والأرض فعلمها بعلمه المحيط أزلا ثم سطرها في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وهو الباطن الذي أحاط بالدقائق والبواطن علما، فظهوره بذاته القدسية على خلقه فله العلو المطلق فذلك وصف ذاته، فالعلو وصف ذاتي لازم له، وذلك مما يدل عليه العقل الصريح بداهة قبل ورود الخبر الصحيح، فلا يتصور إله كامل الوصف مدبر لأمور الخلق، وهو واحد من جنسهم، أو حال أو متحد بأحدهم فضلا عن أن يتحد بجميعهم!، أو ناقص الوصف بمقتضى الجبلة الآدمية فيجري عليه ما يجري عليهم من أعراض النقص بل قد زاد البعض فأجرى عليه أوصاف الذل والمهانة وجعل ذلك شرطا واجبا على الرب، جل وعلا، ليفتدي النوع الإنساني من الرق الشيطاني وذلك من جنس مقالة أهل الاعتزال، وإن كان أشد فحشا، فيحكم كلٌ على الرب، جل وعلا، ثبوتا أو امتناعا، بما يروق له من هوى عقلي أو ذوق وجداني، فكل يجري القياس الذي يحلو له فيقيس الرب، جل وعلا، على ما بدا له من صور يتوهم الكمال فيها بلا مستند من خبر صحيح فهو من أجهل الناس بعلوم النبوات، أو عقل صريح فكل عقل قد عزلت النبوة عن إفتائه في النوازل الخبرية من شبهات ترد عليه لا يدفعها إلا الوحي المنزل، فهو معدن العصمة عند ورود المشتبهات فيردها إلى المحكمات، فـ: "إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات"، فذلك النظر المسدد برسم الهداية التوفيقية إلى منهاج النبوات فما كان لصاحبه أن يسلكه لولا فضل الرب، جل وعلا، عليه بأن يسر له معرفته وبذل له أسبابه فيسر للذكر تلاوة باللسان تحصل بها هداية البيان فتقام بها الحجة الرسالية، ثم تلاوة بالقلب والأركان، فتلك هداية التوفيق فقد خضع الباطن والظاهر لمنهاج النبوة الحاكم، فذلك النظر المسدد هو: طريقة أهل الحق الذين استنوا بأئمة الحق المهديين، فـ: (جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير