تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حديث: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم"]

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 08 - 2010, 02:42 م]ـ

من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل عنده فضل ماء منعه من ابن السبيل، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذباً فصدقه كاذباً واشتراها ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه وفى، وإن لم يعطه لم يف له.

فذلك من التوشيح بإجمال يعقبه البيان، فذلك من التشويق فنكر الثلاثة ثم جاء التقييد بوصف الذم إمعانا في التنفير، وتشويقا إلى معرفتهم حذرا من سلوك سبيلهم، فالخبر بالوعيد يفيد إنشاء التحذير كما أن الخبر بالوعد يفيد إنشاء الحض على الفعل، فالنفس ما بين فعل وكف، فلا تتحرك إلا إلى مطلوب تلتذ به أو هكذا تتصور، فليس كل ما اعتقده المكلف ملائما بملائم، بل قد يكون عين هلاكه فيما ظن فيه عين صلاحه، ولا يفصل النزاع في تعيين ذلك إلا النبوات، فهي الميزان الرباني الحاكم الذي توزن به مقادير الأعمال، فميزان النبوات مطرد في أحكامه، بخلاف ميزان العقل، فيعرض له من الآفات ما يعرض لأي مخلوق، مهما بلغت دقة أحكامه، فالعقل مضطرب في أحكامه فتتفاوت بتفاوت أعيانه، فعقل فلان يباين عقل فلان، ولا يفصل النزاع، كما تقدم مرارا، إلا وحي منزل، فهو معدن العصمة، فجاء التقييد بوصف الذم وعيدا يحمل المخاطب على الكف، فلا ينظر الرب، جل وعلا، إليهم، نظر الرضا، فذلك لازم النظر، فتفسيره هنا من باب التفسير باللازم لقرينة السياق، فالسخط مظنة الإعراض، كما أن الرضا مظنة الإقبال، ولا يمنع ذلك من إرادة المعنى الحقيقي، بل قد ثبت على حد التواتر بنصوص صريحة من الكتاب والسنة، فيثبت المعنى الرئيس ويثبت لازمه الذي يتفاوت تبعا لقرينة السياق، فتارة يكون رضا فينظر الرب، جل وعلا، بعين الرضا، إلى عباده المؤمنين، ولا ينظر، بمفهوم ما تقدم، إلى الكافرين، كما في هذا الحديث، وإن نظر إليهم حال الحساب فنظر السخط، وإمعانا في النكاية جاء الإطناب فلا يكلمهم: فكرر أداة النفي توكيدا، فلا يكلمهم كلاما تطيب به نفوسهم، فكلامه، جل وعلا، لهم توبيخ ثابت في نصوص صحيحة صريحة، فيحمل النفي هنا، كما حمل في النظر، على ما تسر به النفوس فليس لهم من نظر أو كلام الرضا الذي تطيب به النفوس نصيب، وبذلك يجمع بين النصوص المثبتتة والنافية في هذا الباب، فلا تعارض بينها، إذ ليس المثبت عين المنفي، فالمثبت للكفار: كلام التوبيخ فـ: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) فذلك كلام قد توجه إليهم، ولكنه كلام توبيخ يزداد به العذاب فلهم من عذاب الحس والمعنى ما لهم، وذلك من جملة العذاب المعنوي الأليم الذي ذيل به الوصف، كما سيأتي إن شاء الله، فهو كلام كلا كلام فصح النفي في الحديث من هذا الوجه، فيكلمهم توبيخا ولا يكلمهم تكريما، فلا تعارض بين الأمرين، كما تقدم، والمنفي: كلام التكريم بالسلام فليس لهم من: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ): نصيب، وقد يحمل ذلك، أيضا، على تعدد الأحوال، فيكلمهم، عز وجل، في معرض تقريرهم بجنايتهم، ولا يكلمهم إذا أدخلوا دار العذاب السرمدي، فينقطع الكلام، كما تقدم في قوله تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، فالنهي يفيد الإهانة لقرينة السياق، فيكون تعدد الأحوال في هذا المقام من قبيل تعدد الأحوال في نحو قوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)، وقوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، فيحمل على تعدد الأحوال، أو تعدد أعيان السؤال، فالمثبت، أيضا، غير المنفي، فالمثبت: سؤال التقرير، والمنفي سؤال الاستعلام، فالرب، جل وعلا، أعلم بما اقترفوه، وإنما سألهم ليقروا، فإن أنكروا،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير