تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ .... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 08 - 2010, 03:34 م]ـ

من قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ):

فمن آياته الكونية التي تدل على كمال ربوبيته إيجادا وعناية بالخلق بتدبير أمر الليل والنهار، فبتعاقبهما يصلح أمر الكون، فتلك من السنن الكونية المطردة، وتلك من صور تأثير الأسباب الكونية في تسيير المسبَّبات، فبتعاقب الليل والنهار تصلح الأبدان، وتصلح الزروع والثمار، بل وتصلح الأديان، فقد علقت جملة من الشعائر الظاهرة على أسباب وضعية، لا يملك البشر تسييرها، كزوال الشمس لوجوب الظهر، وطلوع الهلال لوجوب الصوم ..... إلخ من شروط الوجوب، أو أحكام الوضع التي لا يملك العبد إيقاعها، فلا يتعلق بها التكليف، فكل أولئك مما علق بأسباب الكون المحكمة التي يسيرها الرب، جل وعلا، بمشيئته النافذة، وقدم ما حقه التأخير تشويقا وتوطئة للمبتدأ الذي أسندت إليه النسبة الشريفة إلى رب الخليقة، جل وعلا، فهي من آياته جل وعلا، فأي نسبة أعظم من النسبة إليه، جل وعلا، ونسبة الآيات الكونية إلى الرب، جل وعلا، تباين نسبة الآيات الشرعية إليه، فنسبة الآيات الكونية إليه: نسبة مخلوق إلى خالقه، يدل على كمال ربوبيته إتقانا للصنعة وإحكاما للسنة التي يسير عليها، كما في تعاقب الملوين أو الجديدين: الليل والنهار. ونسبة الآيات الشرعية إليه: نسبة صفة إلى موصوف، فآياته الشرعية من جملة وحيه الرحماني إلى رسله عليهم السلام، ووحيه من كلامه، وكلامه، جل وعلا، من وصفه، فالوحي من أمره الشرعي، والخلق من أمره الكوني، فبه يكون المخلوق، فالأمر غير مخلوق، فهو، أيضا، من جملة كلمات الرب، جل وعلا، فيصح إطلاق الوحي، عليه من هذا الوجه فيوحي إلى الملائكة: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، ويوحي إلى النحل: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)، وذلك يباين بداهة وحيه الشرعي إلى رسله عليهم السلام وإن اشترك كلاهما في وصف الوحي المطلق.

فمن آياته الكونية الباهرة: الليل والنهار، فالليل، أصل، قدم لتقديم التنزيل له: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، فالمسلوخ فرع المسلوخ منه، بداهة، ثم عقب بذكر الأجرام التي تظهر في كليهما، على طريقة اللف والنشر غير المرتب أو المعكوس كما سماه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله في موضع آخر، فالشمس تكون في النهار، والقمر يكون في الليل، والتعقيب بذكرهما من باب التتميم للمعنى، فهما، أيضا، من جملة الآيات الكونية الباهرة، والتعقيب بذكرهما، أيضا، من باب التذييل بالسبب عقيب المسبَّب، فالليل والنهار من آثار حركة هذه الأجرام، فبطلوع الشمس يكون الضياء، وبغروبها تكون الظلمة التي ينيرها ضوء القمر.

وبعد التوطئة بذكر آيات الربوبية، جاء التذييل بالتكليف الإلهي، فأمر كوني يدل على وجوب صفات الكمال إيجادا وتدبيرا لرب البرية، جل وعلا، فذلك موطئ لكمال انفراده بمنصب الربوبية، فهذان قسما التوحيد العلمي الخبري، وأمر شرعي يدل على حكمته البالغة فهو مئنة من وجوب إفراده، جل وعلا، بمنصب الألوهية، فذلك القسم الثالث من أقسام التوحيد وهو: التوحيد الطلبي الإرادي، فحصل بهذه الجملة اليسيرة من الكلمات خبرا عن الربوبية، وإنشاء للألوهية، حصل بها: تقرير لمعاني التوحيد الثلاثة، وهي أعز ما يطلب، وأعظم ما يقر ويثبت، فبها صلاح الدين بالسنة الشرعية وصلاح الدنيا بالسنة الكونية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير