[من حديث التشبيك]
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 07 - 2010, 06:12 ص]ـ
من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ، فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ"
فذلك من الشرط الذي يفيد العموم فهو أليق بالقواعد العامة سواء أكانت دينية أم أخلاقية ..... إلخ والإتيان بـ "إذا" التي تدل على كثرة وقوع الشرط، فدخول المسجد مما يتكرر في حياة المسلم، أو هكذا يفترض! وإن كان الواقع خلاف ذلك فهجران المساجد سمت ظاهر في كثير من بلاد المسلمين، ويقوي هذا المعنى الإتيان بفعل الكينونة فهو مئنة من دوام اتصاف الاسم بالخبر في الزمن الماضي، ودخول الشرط الذي يفيد الاستقبال عليه نقل الدلالة من الماضي إلى الحال والاستقبال، ويلائم هذا العموم الذي يتكرر وقوعه: الإتيان بلفظ: "أحدكم"، فهو، أيضا، من صيغ العموم، فضلا عن دلالة لفظ: "أحد": على عموم الخطاب، فليس الخطاب لواحد بعينه، بل هو لكل أحد، والعموم في هذا السياق له عدة أوجه:
فالأول: باعتبار خطاب المواجهة فيعم كل من حضره ممن شهد التنزيل، فهو عصري النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صحابته الكرام، رضي الله عنهم، فهم أول من توجه إليه خطاب الوحي باعتبار المعاصرة والمواجهة كما تقدم، فلهم فهم ليس لغيرهم، فليس من عاين كمن سمع، ولو ثقب عقله ودق استنباطه، فلا يبلغ مبلغ الرائي الذي شهد من القرائن ما لم يشاهد غيره، فيدرك، على جهة التعيين، مراد التنزيل، فضلا عن نقاء لسانه من أكدار العجمة التي شابت الألسنة في الأعصار التالية، وذانك الوصفان، كما تقدم مرارا، سر تقضيل القرن الأول على بقية قرون الأمة، فهم خير طباقها وصفوة رجالها وخيرة علمائها وعبادها .... إلخ من سائر أجناس الوظائف الشرعية التي تحفظ بها الديانة، فمن أراد صيانة الشريعة فعليه بلزوم الطريقة الأولى: طريقة الوحي بفهم شهوده.
والثاني: باعتبار خطاب التشريع العام فالأصل شموله لجميع المكلفين من أمة الإجابة، وإن لم يكن موجودا زمن التشريع، فأحكام الشريعة بداهة تلزم كل أتباعها في كل عصر ومصر، فعموم التشريع زماني ومكاني لكل مكلف بها إلا ما ورد الدليل على اختصاصه بفرد بعينه، أو بوصف يعم بعض أفراد الجماعة دون بعض، وهو ما اصطلح على تسميته بتخصيص الحكم بصورة السبب، فمن التخصيص ما يكون بصورة فرد بعينه، ومنه ما يكون بصورة وصف بعينه فدائرته أوسع، ومنها ما يتعلق بوصف التكليف الأعم، فتلك هي الأصل، وهي أوسع دائرة لخطاب التشريع.
والثالث: باعتبار عموم النوع الإنساني، فيشمل المؤمن والكافر، فذلك قول من رجح عموم خطاب التكليف للكفار، فيخاطبون به وبما لا تصح الأعمال إلا به، وهو الإيمان، عقد القلب الأول فهو الأصل لما يليه من أعمال الباطن والظاهر.
ثم جاء الجواب مؤكدا بالنون المثقلة: "فَلاَ يُشَبِّكَنَّ"، فذلك مئنة من التحريم في مقام النهي، على خلاف بين أهل العلم هل الأمر عموما يفيد التحريم إذا تجرد من القرائن أو يفيد الكراهة، وهل يفيد خصوصا في هذا السياق التحريم أو الكراهة، فتصدير الجواب بالفعل المؤكد في مقام النهي مئنة من التحريم وإن لم يكن مبطلا للصلاة، فالحرمة فيه من خارج فلا تتعلق بالإخلال بشرط أو ركن في الصلاة.
ثم جاء التذييل بالعلة: "فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ": فذلك آكد في تقرير المعنى، فالتذييل بالعلة يزيد الحكم رسوخا في الذهن، فعلة النهي أن التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ: فبين المصدر والفعل جناسا اشتقاقيا يزيد المعنى بيانا، وهو جار مجرى الإظهار في موضع الإضمار، فيجوز في غير هذا السياق أن يضمر على إرادة الرجوع إلى المصدر المتصيد من الفعل السابق له، فيقال: فلا يشبكن فإنه من الشيطان فإن مصدر الفعل: "شبك" المضعف هو التشبيك، من: فعل تفعيل، وهو مئنة من المبالغة بزيادة المبنى، وفي التنزيل: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، فرجع الضمير على المصدر المتصيد من الفعل، فاعدلوا العدل أقرب للتقوى، فرجع الضمير على المصدر المتصيد من الفعل الذي صدر به السياق.
و: "من": إما أن تحمل على السببية، فالتشبيك بسبب الشيطان، أو على إرادة التبعيض، على تقدير محذوف، فإن التشبيك من أفعال الشيطان فهو بعض فعله، ولا يخلو بداهة من معنى الجنسية، فهو من جنس فعل الشيطان، فضلا عن دلالة "من" القياسية، وهي ابتداء الغاية، فابتداء غاية التشبيك من الشيطان فهو المنشئ لسببه وسوسة أو فعلا، ولا مانع من الجمع بين كل هذه المعاني لعدم التعارض، فذلك أثرى للمعنى، وآكد في بيان العلة.
وقد عكس الأمر في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ""إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع؛ فإن الشيطان يدخل"، فقدمت العلة فذلك من باب التشويق وبه يحصل التنوع في بيان الأحكام الشرعية.
وفيه الاحتراس تخفيفا في قوله: "ما استطاع"، وشاهد ذلك من التنزيل: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، و: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"، وحذف معمول الفعل للعلم به بداهة، فليكظم ما استطاع الكظم.
والله أعلى وأعلم.
¥